09‏/03‏/2015

شَرْحُ حَدِيْثِ فِتْنَةِ الْأَحْلَاسِ وَفِتْنَةِ السَّرَّاءِ وَفِتْنَةِ الدُّهَيْمَاءِ... د. ناصر السخني

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين, وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ عَلَىَّ رَسُولُ اللهِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الأمِيْن, وَبَعْدَ؛

     جَاءَتْنِي الْكَثِيرُ مِنَ الرَّسَائِلِ الَّتِي يَقُولُ مُرْسِلُوهَا لِي: لَمْ أَفَهُمْ مَعْنَى هَذَا الْحَديثِ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ؛ وَيَطْلُبُونَ مِنِّي شَرْحَ الْحَدِيثِ؛ وَهُمْ يَقْصدُونَ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ الصَّحِيحَ التَّالِي:






      عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا: "كُنَّا قُعُوداً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ؛ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الأَحْلَاسِ؟! قَالَ: هِيَ هَرَبٌ وَحَرَبٌ.
ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ؛ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ.
ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ؛ لَا تَدَعُ أَحَداً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ"[1]).).

    وَسَأُحَاولُ الإيجازَ والإختصارَ مَا استَطعتُ فِي الشَّرحِ؛ وَمَنْ أَرَادَ أنْ يَتَوَسّع في تَفْسِيرِ الحَدِيثِ فَلْيَرجِع لِكتابِ (عَون المَعبُودِ شَرْحِ سُنَنِ أبِي دَاوُدَ).([2]).

    فَأقُولُ مُستَعِيناً باللهِ: هَذهِ الفتنُ كَمَا يظهرُ مِن الحَديثِ فتنٌ مُتتابعةٌ مُتلاحقةٌ مُتَداخلةٌ, وهي آخرُ الفتنِ المُعتَبَرَةِ التي تقعُ قبلَ ظُهورِ الدَّجَالِ؛ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم: "فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ". 

   ولا أَرى أنَّ هَذهِ الفِتَنَ إنْ انْتَهَتْ الأُولَى (الْأَحْلَاس) سَتبدأُ الثَّانِيَةُ (السَّرَّاء), ثمَّ إنْ انْتَهَتْ الثَّانِيَةُ (السَّرَّاء) سَتبدأُ الثالثة (الدُّهَيْمَاء)؛ بلْ مَا أَرَاهُ أَنَّ الْأَحْلَاسَ بَدَأَتْ, وَتَلتهَا السَّرَّاء وَما تَزالُ الْأَحْلَاسُ مُستمرةً وتتداخلُ فيها. وَتَلتهَا الدُّهَيْمَاء وَما تزالُ السَّرَّاء مُستمرةً؛ وَما تزالُ الْأَحْلَاس مُستمرةً, وتتداخلُ الفِتنُ الثَّلاثةُ فِي بَقايا بَعضِهَا. حتَّى يَنْتَهِي الأَمرُ بِالدُّهَيْمَاءِ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ. ثمَّ يكونُ الدَّجَّال. وَالله أَعلَمُ.

أولاً: (فِتْنَةُ الأَحْلاسِ، هيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وحَرَبٍ): أي فِتْنَةٌ دَائمَةٌ أو مُلازِمَةٌ؛ لأنَّ الأحْلاسَ جَمعُ حِلْس؛ والحِلْس؛ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يَلْتَصِقُ بِظَهرِ البَعِيرِ. وَيُقَالُ: هُوَ حِلْسُ بيته: أي لا يبرحُهُ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: (إِنَّمَا أُضِيفَتْ الْفِتْنَة إِلَى الْأَحْلَاس لِدَوَامِهَا وَطُول لُبْثهَا أَوْ لِسَوَادِ لَوْنهَا وَظُلْمَتهَا).
* (هَرَب): أَيْ يَفِرّ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض لِمَا بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْمُحَارَبَة.
* (وَحَرَب): أَيْ النَّهْب والسَّلب.

   إِذَن فَهي فتنةٌ فِيهَا هُروبٌ وَتشريدٌ وَلجوءٌ ومُحاربةٌ وعَداوةٌ وَذُعرٌ وسَلبٌ ونَهبٌ. وَكَمَا لا يخفى على بَصيرٍ أنَّ هَذا حَال الأمَّةِ مُنذُ أنْ تقطَّعتْ وتَمزَّقتْ إلى دُويلاتٍ وقبائل يقاتِلُ بَعضُها بَعضَاً, ويسلبُ بَعضُها بَعضَاً. وَيَفِرُّ بَعضُها مِن بَعض؛ إلى أنْ قَامتْ الثَّورةُ العَربيةُ الكُبرى لِتَتَدَاخَل فِتْنَةُ الأَحْلاسِ مع فِتْنَةِ السَّرَّاءِ.
أقولُ: انْتَبهْ مَعي أنَّ حَربَ الخَليجِ مَثَلاً هِي مِن فِتْنَةُ الأَحْلاسِ, وقَد استمرتْ رغمَ دخولِ فِتْنَةِ السَّرَّاءِ. وَالله أَعلَمُ.

ثَانِياً: (فِتْنَةُ السَّرَّاءِ): قَالَ الْقَارِي: (وَالْمُرَاد بِالسَّرَّاءِ النَّعْمَاء الَّتِي تَسُرُّ النَّاسَ مِنَ الصِّحَّة وَالرَّخَاء، وَالْعَافِيَة مِنْ الْبَلَاء وَالْوَبَاء، وَأُضِيفَتْ إِلَى السَّرَّاء لِأَنَّ السَّبَبَ فِي وُقُوعهَا اِرْتِكَاب الْمَعَاصِي بِسَبَبِ كَثْرَة التَّنَعُّم أَوْ لِأَنَّهَا تَسُرُّ الْعَدُوَّ.).
أقولُ: وَالْمُرَاد بِالسَّرَّاءِ هِي التي ظَاهِرها يَسُرُّ, وَعَوَاقِبهَا تَضُرُّ. أَو التي فِيها نَعمَةٌ تَعقُبها نِقمَةٌ. وَالله أَعلَمُ.

* (دَخَنُهَا مِنْ تَحْت قَدَمَيْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي): يَعْنِي ظُهُورُهَا وَإِثَارَتهَا مِنْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِ النَّبِيّ مُحَمدٍ صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم, وَأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى إِقَامَتهَا.

* (يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ): كمَا صَحَّ عَن النَّبِيّ مُحَمدٍ صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم في صحيح مسلم: "من بطّأ به عملُه، لم يسرعْ به نسبُه".
    وَلِفَهمِ مَنْ هُوَ هَذا الرَّجُل – حَسبَ رَأيي الشَّخصِيّ - عَلَينَا أنْ نَعودَ إلى دُخُولِ الدَّولَةِ العُثمَانِيَّةِ فِي الحَربِ العَالَميِّة الأَولَى عَام 1914م, وَوُصُولِ مُصطفَى كَمَال أتَاتُورك إلى السُّلطةِ, وَسِياستِهِ القَوميِّةِ بِالتَّترِيكِ, وَمُحَارَبَةِ اللغةِ العَرَبيةِ, وَفَرضِ اللغَةِ التُّركِيَّةِ عَلَى العَربِ، بِالإِضَافَةِ إلَى تَدَهورِ الأَوْضَاعِ الاقتصادِيَّة، مِمَّا أدَّى إلى أَنْ يَنصَحَ عَبدُ اللهِ الأَوَّل بنُ الحُسين أَبَاهُ الشَّرِيفَ الحُسينَ بنَ عَلِيٍّ الْهاشِمِيّ بِالتَّفَاوُضِ مَعَ الْبرِيطانِيِّينَ لِلْمُطَالَبَةِ بِمُسَاعَدَتِهمْ لِلْاِنْفِصالِ عَنِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمانِيَّة, وَلِدَعمِ خِلاَفَةٍ إِسْلامِيَّةٍ عَرَبِيَّةٍ، وَهَذَا مَعنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم: (دَخَنُهَا مِنْ تَحْت قَدَمَيْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي).

* (ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ): قَالَ الْقَارِي: (هَذَا مَثَل؛ وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَكُون عَلَى ثَبَات, لِأَنَّ الْوَرِك لِثِقَلِهِ لَا يَثْبُت عَلَى الضلع لِدِقَّتِهِ, وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُون غَيْر أَهْل لِلْوِلَايَةِ لِقِلَّةِ عِلْمه وَخِفَّة رَأْيه.). أَيْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى بَيْعَةِ رَجُلٍ غَيْرُ خَلِيقٍ لِلْمُلْكِ وَلَا مُسْتَقِلٍّ بِهِ. أَمْرهُ وَاهٍ لَا نِظَامَ لَهُ, وَأَنَّ الْأَمْر لَا يَثْبُت وَلَا يَسْتَقِيم لَهُ.

    وَلِفَهمِ مَنْ هُوَ هَذا الرَّجُل – حَسبَ رَأيي الشَّخصِيّ – عَلَينَا أنْ نعلَمَ أنَّ الْبرِيطانِيِّينَ تَوَاصَلُوا مَعَ شَرِيفِ مَكَّة الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ وَعَرَضُوا عَلَيه خِدمَاتِهِم مِنْ خِلَالِ مَا عُرِفَ بِمُرَاسِلَاتِ الحُسَينِ – مَكمَاهُون ( وهيَ رَسَائِل عَامِي 1915م - 1916م الْمُتَبَادَلَةَ بَيْنَهُ وَهِنْرِي مَكمَاهُون الْمُمَثِّلِ الْأعْلَى لِبرِيطَانِيا فِي مِصْر).
   وَوَعَدَ مَكمَاهُون الشَّرِيفَ الحُسينَ بِاِعْتِرافِ برِيطانِيا بِآسِيَا الْعَرَبِيَّةِ كَامِلَة دَوْلَة عَرَبِيَّة مُسْتَقِلَّة إِذَا شَارَكَ الْعَرَبُ فِي الْحَرْبِ ضِدّ الدَّوْلَةِ الْعُثْمانِيَّةَ. وَتَمَّ ذَلِكً؛ فَأُعْلِنُ الشَّرِيفُ الحُسين الثَّوْرَةَ الْعَرَبِيَّةَ الْكُبْرَى عَام 1916م, مُتَحَالِفَاً مَعَ الْبرِيطانِيِّينَ ضِدُّ الدَّوْلَةِ الْعُثْمانِيَّة لِجُعِلَ الْخِلاَفَةُ فِي الْعُرْبِ بَدَلً الأتراك, وَلُقِّبَ بِـ مَلِكِ الْعَرَبِ. وَهَذَا مَعنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم: (ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ).
     فَقَدِ اِصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى الشَّريفِ الحُسَين وَاخْتَارُهُ أَميرَاً لَهُمْ, وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ ثَابِتَاً؛ بَلْ كَانَ مُتَزَعْزِعَاً وَغَيْرَ مُسْتَقِرٍّ؛ لِأَنَّ الْوُعُودَ الْبرِيطانِيَّةَ تَمَّ خَرْقُهَا بِتَقْسِيمِ فَرَنْسا وَبرِيطانِيا لِلْمِنْطَقَةِ بِاِتِّفَاقِيَّةِ سَايْكس - بِيكُو السِّرِّيَّةِ.

   وَاِنْتَهَتْ الْحَرْبُ الْعَالَمِيَّةَ الْأوْلَى؛ وَحِينَ تَرَكَ الشَّرِيفُ الحُسَين مَكّة خَلَفَهُ أُكْبَرُ أَبِنَائِهِ الْمَلِك عَلِيّ بْن حُسين, وَلَكِنْ سَرْعَانَ مَا آلتْ أَغُلَب الْجَزِيرَةُ الْعَرَبِيَّةُ لِلْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ آلَ سُعُود بَعْدَ حُروبٍ وَمُعارِكٍ. وَالْمَلِكُ عَبْد اللَّهِ الْأَوَّل بْن حُسين أَسَّسَ إمَارَةَ شَرْقِ الْأُرْدُنِ 1921م, وَالْمَلِكُ فَيُصَلِّ الْأَوَّلُ بْنٌ حُسين أَوَّلَ مُلُّوكَ الْعِرَاقَ, وَمَلِكُ سُورِيَّا. وَزَيَّدَ بْنٌ حُسين، كَانَ وَلِي عَهْدُ الْمَمْلَكَةِ السُّورِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ.

   أقولُ: فَالْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتَاً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ تَاريخيّاً, وَالْفِتْنَةُ كَانَتْ عَظِيمَة, وَتَنَاهَتْ بِاِسْتِقْرارِ أَغْلِب الدُّوَلِ الْعَرَبِيَّةِ بَعْدَ الْاِسْتِقْلالِ مِنَ الْاِسْتِعْمارَيْنِ الْبرِيطانِيَّ وَالْفَرَنْسِيَّ. وَهِي الَّتِي ظاهِرَهَا يَسُرُّ, وَعَوَاقِبهَا تَضُرُّ. وهنا نرى أَنَّ الْأَحْلَاسَ بَدَأَتْ, وَتَلتهَا السَّرَّاء وَما تَزالُ الْأَحْلَاسُ مُستمرةً وتتداخلُ فيها.

    وَبَعْدَ سُرُورُ النَّاسِ بِالْاِسْتِقْلالِ عَنِ الاسْتِعمَارِ, وَالْأَمِنِ المُخَدّرِ وَالْأمَانِ, فِي ظَلَّ حُكَّامِ الْبِلادِ الْعَرَبِيَّةِ, وَمَعَ مُرُورِ الأيَّامِ بَدَأَ الْحُكَّامُ بِالْاِسْتِبْدَادِ وَالْقَهْرِ وَالْاِسْتِعْبادِ لِلْعِبَادِ؛ فَثَارَتْ الشُّعُوبُ عَلَى الْحُكَّامِ لِتَبْدأَ الدُّهَيْمَاءُ.

* (ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ): قَالَ الْقَارِي: (وَهِيَ السَّوْدَاء وَالتَّصْغِير لِلذَّمِّ أَيْ الْفِتْنَة الْعَظْمَاء وَالطَّامَّة الْعَمْيَاء.
* (لَا تَدَعُ أَحَداً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً): أَيْ لَا تَتْرُك أَحَداً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا أَصَابَتْهُ بِمِحْنَةٍ وَمَسَّتْهُ بِبَلِيَّةٍ.
* (فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ): أَيْ فَمَهْمَا تَوَهَّمُوا أَنَّ تِلْكَ الْفِتْنَة اِنْتَهَتْ اِسْتَطَالَتْ وَاسْتَمَرَّتْ وَاسْتَقَرَّتْ.
* (يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً): مُؤْمِناً لِتَحْرِيمِهِ دَم أَخِيهِ وَعِرْضه وَمَاله, وكَافِراً لِتَحْلِيلِهِ مَا ذُكِرَ.

   أقولُ: ثَارَتْ الشُّعُوبُ عَلَى الْحُكَّامِ وَبَدَأتْ فِتنةُ الدُّهَيْمَاءُ؛ وَبَدَأَ سُقُوطُ الْحُكَّامِ الْمُسْتَبِدِّينَ وَاحِدَاً تِلْوِ الْآخَرِ, وَمَا تُوقَّعَهُ النَّاسُ خَيْرَاً هُوَ مَا فَتَحَ أَبْوَابَ فُرْقَةٍ وَاِخْتِلَافٍ, وَفِتْنٍ وَاِفْتِنَانٍ, وَصِراعٍ وَتَصَارُعٍ؛ حَتَّى الْتُبِسَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَالْبَاطِلُ بِالْحَقِّ, وَكُلَّمَا قُلَّنَا اِنْقَضَتْ؛ تَمَادَتْ. وَكُلَّمَا تَوَهَّمُنا أَنَّها اِنْتَهَتْ اِسْتَطَالَتْ.
فَمِنْ تُونُس, إِلَى مِصْر, وَالْيَمَن, وَلِيْبِيَا ..... إِلَى سُورِيا الَّتِي سَيَكون نَتِيجَةً مَا يَحْدُثُ فِيهَا أَنْ يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنٍ . وَالله أَعلَمُ.

* (حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ): أَيْ فِرْقَتَيْنِ, مؤمنين, ومنافقين.
   أقولُ: ومازلنا نعيش الفِتنةَ الدُّهَيْمَاء؛ وَالَّتِي قَدْ تَمْتَدُّ الى أنْ تَصِلَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ. وَالَّتِي يُعَجِّلُ الْمَارِقُونَ وَالْخَارِجُونَ كَــــ (الحوثيون) و (داعش) ([3]) بها. حَتَّى يَكُونُ ظُهُور الدَّجَّال.

* (فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ): أَيْ ظُهُور الدَّجَّالَ.

   أقولُ: مِنَ المَعلُومِ وَالثَّابِتِ أنَّ خُرُوجَ الدَّجَّالِ أو ظُهورَهُ هُوَ أوّل عَلامَاتِ السَّاعةِ العَشْرِ الكُبْرَى, وتسبقهُ خِلَافَةٌ رَاشِدَةٌ على منهاج النبوة ([4]). وَيسبقهُ المَهدِيُّ المُنتَظرُ عَليه السَّلَامُ ([5])؛ وَهُوَ الَّذِي لَنْ تَجْتَمِعَ الْأُمَّةُ عَلَى أحَدٍ غَيْرَه, وَلَنْ تَتَسَاقَطَ الرّايَاتُ إلّا تَحْتَ رايَتِهِ بَعْدَ الْخِلاَفَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ ([6]). وَالَّتِي عَاصِمَتُهَا الْقُدْس؛ فَالنُّصُوصُ تُثْبِتُ عَوْدَةَ الْخِلاَفَةِ الْإِسْلامِيَّةِ، وَسِيادَتَهَا الْعَالَمَ كُلَّه؛ وَقَدْ صَحَّ عَنِ الصَّادِقِ المصدوق عَلَيه الصَّلاَةَ وَالسّلامَ :"إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ " ([7]). "عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ"  ([8]).

   وَفَتَحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ سَيَتِمُّ فِي زَمَنِ الْمَهْدِيِ الَّذِي يَنْزِلُ عِيسَى عَلَيه السّلامَ فِي زَمَنِهِ, وَعُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سيكون بِالْخِلاَفَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ.

وَالله تَعَالَى أَعلَمُ.
وَصَلِّ اللهمَّ وَسَلمْ وَبَارِكْ وَتَرحَّمْ عَلَى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأَعظَم, وَعَلَى آلهِ وَصَحِبهِ أَجمَعِيْن, وَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين
"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ".






([1]) رواهُ أبُو دَاوُدَ/4242 وسكتَ عنهُ, وَرَوَاهُ أحْمَدُ, وَصَحح إسنادهُ أحمد شاكر 9/24. وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ في المستدرك 5/661, وَوَافَقهُ الذَّهَبِيُّ. وَصَحَّحَهُ الألبانِي في صحيح سنن أبي دَاوُدَ/4242, وفي صحيح الجامع/4194, وقال السِّلْسِلَة الصَّحيحة 2/666: إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير العلاء بن عتبة وهو صدوق).
([2]) عَون المَعبُودِ شَرْحِ سُنَنِ أبِي دَاوُدَ لِمُؤلِفهِ العَلاَّمَة والمُحَقق والمُحَدِّث: مُحَمَّد شَمس الحَقِّ العَظِيم آبَادِي؛ فإنِّي أخذتُ مِنهُ بِتصَرّفٍ.
([3]) هناك بحث لي بعنوان: (احْذَرُوا فِتنَ الظَّلَامِ, وَدَوْلَةَ الإسْلَامِ في العِراقِ والشَّامِ). سأنشرهُ قريباً إن شاء الله.
([4]) (أن المهدي والمسيح - عليهما السلام – سيتعاصران: أن خلافة راشدة ستسبقهما، .... سيكون قبل ذلك خلافة على منهاج النبوة تكتسح الأرض كلها، وستفتح الأمة الإسلامية العالم، ولا يبقى بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا دخلته كلمة الإسلام بعز عزيز وذل ذليل) مما قالهُ سعيد حوى رحمهُ اللهُ بِتصَرّفٍ.
([5]) المهدي المنتظر حقيقة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة صحيحة، وقال الشوكاني: (والأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر ، التي أمكن الوقوف عليها ، منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة).
(أنه يحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الأنام)، "وظني أن المهدي سيكون رجلاً فريداً في كل باب، فريداً في علمه، فريداً في ورعه، فريداً في عبادته، فريداً في خُلُقه، وأنه سيظهر وقد تهيأ للعالم الإسلامي وضع صَلُحَ فيه أمر الأمة، وتمت فيه مرحلتا (التصفية والتربية)، ولم يبق إلا ظهور الزعيم المُصْلح الذي يقوده؛ وهو المهدي). مما قالهُ الألباني رحمهُ اللهُ بِتصَرّفٍ.
([6]) في الحديث الصحيح: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ سَكَتَ".
([7]) رواهُ أحمد، والبخاري في تاريخه، وَأبُو دَاوُدَ وسكتَ عنهُ, وصححه الألباني في صحيح أبو داود/2535؛ فأخبر أن الخلافة في آخر الزمان تكون في القدس، وبعد ذلك تظهر الأشراط الكبرى للساعة بما تحمله من زلازل وفتن.
(الظاهر أن الحديث في خلافة تكون عاصمتها القدس، وإلى القدس يذهب المسيح بعد نزوله في دمشق). مما قالهُ سعيد حوى رحمهُ اللهُ بِتصَرّفٍ.
([8]) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وسكتَ عنهُ, وصححه الألباني في صحيح أبو داود/4294.



هناك 18 تعليقًا:

  1. ما شاء الله عليك
    انت معلم في كل العلوم وعبقري في كل الفهوم
    حفظك الله وزادك وأنار قلبك وعقلك وسمعك وبصرك
    وبكل أحبابك عاجلا غير آجل جمعك

    جرح الأيام

    ردحذف
    الردود
    1. جرح الأيام؛
      شكراً على حسن ظنك,
      وزادنا الله وإياكم علماً وفهماً.

      حذف
    2. أنا لا أُسميه ظناً ولا أُسميه فيك رأياً
      هذه حقيقة ثابتةٌ ثابتةٌ ثابتة
      وأسال الله أن يزيدها ثباتاً وعلواً ورفعة
      ويرينا إياك في هذه الدنيا والآخرة لهذه الأمة خيراً ونوراً وشمساً وقمراً

      جرح الأيام

      حذف
    3. أشكرك على ثقتك العظيمة,
      والتي أفتخر بها.

      حذف
  2. ما شاء الله عليك دكتورنا
    وما شاء الله على عقلك وفكرك
    الله يزيدك ويديمك نور لكل من طلبك
    أنا من الذين لم يفهموا الحديث, ولكنك فتحت بصيرتي
    الله يزيدك كمان وكمان.

    تلميذك: محمد الشمري

    ردحذف
    الردود
    1. حياك الله استاذ محمد,
      واشكرك على دعائك الطيب,
      وجعلنا الله عند حسن الظن.

      حذف
  3. نشكرك دكتور على جهدك الكبير
    لكن الشرح طويل ومتعب لاصحاب العقول البسيطة أمثالي
    هل لك ان تلخصه في وقت فراغك باسطر بسيطة قليلة من فضلك وشكراً جزيلا لك

    ردحذف
    الردود
    1. لا شكر على واجب.
      ولكن هذا هو الإيجازَ والإختصارَ مَا استَطعتُ فِي الشَّرحِ.

      حذف
  4. منذ انزالك لهذا الشرح وانا احاول قراءته ما كنت اطيق قراءة الاسطر لكني في الامس اخيراً استطعت
    هذا الحديث جليل جدا وشرحه عظيم حين طابقته على الواقع الذي نعيشه اظن أن هذا الحديث مع شرحه يجب ان يصل الى العالم بكل اللغات لدقة وصفه للواقع الذي عشناه ونعيشه

    لكن لدي سؤال كتبت ضمن شرحك المهدي عليه السلام
    هل يجوز ان نصلي ونسلم على غير الانبياء والمرسلين
    وهل سيكون المهدي اماما مرسل ونحن نعلم ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين

    ولماذا تكون عاصمة الدولة الاسلامية القدس بدلاً من مكة
    المكرمة ؟

    وهل سنشهد معجزات ملموسة حال انتهاء المعارك في سوريا وخروج المهدي ؟

    أُفكر بترجمة هذا الحديث وشرحه بلغات اخرى ثم نشره فما رأيك دكتور ؟

    ردحذف
  5. بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, والصلاة والسَّلامُ على خاتم الأنبياءِ والمرسلين وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين, وبعد؛

    كنتُ أرجو أَنْ أَعرفَ مَنْ هُو صَاحِبِ التَّعلِيقِ, وَلَكِنَّكَ لَمْ تَذكر اسمكَ, وَلا مَا يَدلُّ عليكَ, بَل تَعليقكَ تَحتَ (غير معرف). وَعَلى كُلِّ حَالٍ:

    السلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته,
    لا شكَّ أنَّ الحديثَ جليلٌ عظيمُ القَدر,
    ويوازي بِمَدلولاتهِ هَذا العَصر.
    وعليكَ أنْ تعلمَ أنَّهُ يُمَثِّلُ في شَرحهِ وُجهةَ نظري, وليسَ كلّ وُجهاتِ النَّظر.
    وإعجابكَ بِشرحِي لهُ لا يعني أنني عَلى صَوابٍ غير قابلٍ لإعمَالِ الفِكر.

    وَلا أَعلمُ لِماذا قلتَ لِي فِي تَعليقكَ: (منذ إنزالكَ لهذا الشرح وأنا أحاولُ قراءته, ما كنتُ أطيقُ قراءة الأسطر؛ لكني في الأمس أخيراً استطعتُ)!!؟
    فما الذي كانَ يمنعكَ؟!؟

    أَمَّا عَنْ ظنِّكَ:
    (أنَّ هذا الحديث مع شرحهِ يجب أنْ يصلَ الى العالمِ بكلِّ اللغاتِ لدقة وصفه للواقع الذي عشناه ونعيشه. أُفكر بترجمة هذا الحديث وشرحه بلغات أُخرى ثم نشرهُ, فما رأيك دكتور؟).
    فَهَذا يُظهرُ انبهاركَ وَاعجابكَ, وَلا مانعَ مِن ترجمتهِ, وَهَذا يَعودُ لاجتهادِكَ الشَّخصيّ, وَأَنا أَسمحُ بِالنَّقلِ مِن مَوقِعي لِمَن يُريدُ, وَلِمنْ يَستَفِيدُ, مَا دَامَ ذلكَ لا يُخِلُّ ولا يزلُّ ولا يضلُّ.

    وَأَمَّا عَنْ سؤالكَ:
    (لماذا تكون عاصمة الدولة الاسلامية القدس بدلاً من مكة المكرمة؟).

    فأقول: إنَّ الْقُدْسَ سَتَكونُ عَاصِمة الْخِلاَفَةِ الْإِسْلامِيَّةِ كَعَاصمةٍ لِمركز القِيادةِ, أو كَعاصِمةٍ سِيَاسِيَّة. وأما مكّة فهي العَاصِمة الدِّينية, ولا نقاش في ذلك, وَأمَّا المَدينة المنورة؛ فالنُّصُوصُ وَاضحةٌ عَنِ الصَّادِقِ المَصدوق عَلَيه الصَّلاَةَ وَالسّلامَ: "إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ..". "عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ...". كَمَا فِي الشَّرحِ.

    يتبع....

    ردحذف
    الردود
    1. وَأَمَّا عَنْ سؤالكَ:
      (هل يجوز ان نُصلّي وَنُسَلّم على غير الانبياء وَالمرسلين!؟)
      فأقول:
      لقد قلتُ في شرحي: (وَيسبقهُ المَهدِيُّ المُنتَظرُ عَليه السَّلَامُ)؛ فَأَنا لمْ أُصلِّ عليهِ وإنما سَلَّمتُ, وإن جازَ ذلكَ (أي الصلاة والسَّلام), وإن كان المعنى صحيحاً. وأقولها مراراً وتكراراً؛ فالرَّاجِح جَواز ذلكَ فيما يَخُصّ الصَّحَابيّ, فَمَا بَالكَ بالمهديِّ؟!
      قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والصّلاة على غير الأنبياء تبعاً جائزة بالنص والإجماع لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً لا تبعاً هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أن يقالُ لشخصٍ مؤمنٍ صلى الله عليه. من "فتاوى نور على الدرب".

      وَراجع كِتَاب: "جَلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، الصفحات (465-482), لابنِ القَيمِ رَحِمَهُ الله.
      وممن أجاز ذلكَ حسبَ نقلهِ: (الحسن البصري, وخصيف, ومجاهد, ومقاتل بن سليمان, ومقاتل بن حيان, وكثير من أهل التفسير. وهو قول الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبي ثور ومحمد بن جرير الطبري).

      بل والملائكة وأهل الطاعة عُمُومَاً, ولا أقصدُ هنا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه، حيث إنْ ذكروهُ قالوا: عليه الصلاة والسلام. ولا يقولون ذلك فيمنْ هو خيرٌ منهُ كأبي بكرٍ وعُمر، فهذا ممنوع.

      وانظر لِقولهِ تَعَالَى:
      (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ). سورة الأحزاب/43.
      (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ). سورة البقرة/157.
      (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). سورة التوبة/103.

      وانظر لِقولِ الحبيبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث عبد الله بن أبي أوْفَى قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومٌ بصدقةٍ قال : اللهم صلِّ عليهم . فأتاه أبي بصدقتِه، فقال : اللهم صلِّ على آلِ أَبي أّوْفَى". متفق عليه.
      وانظر حديث جابر: أن امرأته قالت: يا رسول الله، صَل عَلَيَّ وعلى زوجي. فقال: "صلَّى اللَّهُ عليكِ وعلَى زوجِكِ". صحيح أبي داود.
      فَقدْ صَلَّى الرُّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَافِع الزَّكاة.
      وكما صَلَّى الرُّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المرأة وزوجها.
      وكما قال ابن عمر: للميت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
      وكما روي عن علي مِن صَلاته عَلى عُمر.
      والله أعلم .

      وأمَّا بالنسبةِ للسَّلامِ؛ قال السفاريني: أَمَّا مذهبنا ( يعني الحنبلي) فقد علمت جوازه من جواز الصَّلاة على غير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استقلالا بالأولى.

      وتذكَّر أنكَ تقولُ في صَلاتِكَ كُلّ يومٍ تَقُولُ: السَّلاَم عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ.

      والخُلاصَة: لَا حَرجَ فِي الصَّلاةِ أو السَّلاَم، أو أنْ يُقَالُ: أبو بكر عليه السلام، أو عَليّ عليه السلام، أو المهدي عليه السلام.
      والله أعلم .

      وَأَمَّا عَنْ سؤالكَ:
      (هل سيكون المهديُّ إماماً مُرسلاً, ونحن نعلم ان محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين؟!).
      فأقول:
      المهديّ ليسَ نبياً مُرسَلاً, فلا نَبِيّ بعد خاتم الأنبياءِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَفِي الصحيحين: ( كانت بنو إسرائيلَ تسوسهم الأنبياءُ، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ، وإنه لا نبيَّ بعدي، وسيكون خلفاءٌ فيكثرون). قالوا : فما تأمرُنا ؟ قال : ( فُوا ببيعةِ الأولِ فالأولِ، أعطوهم حقَّهم، فإنَّ اللهَ سائلُهم عما استرعاهُم ). متفق عليه.
      وَلا أَحدَ في مَقامِ مُحمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لا نبي مرسل ولا ملك مقرب؛ فهو خير الخلق أجمعين.

      أرجو أن أكون قَد أَجبتكَ (غير معرف) على استِفسَاراتكَ, وإنْ كَانتْ عَلَى عُجالةٍ منِّي.
      وَالله تَعَالَى أَعلَمُ.
      وَصَلِّ اللهمَّ وَسَلمْ وَبَارِكْ وَتَرحَّمْ عَلَى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأَعظَم, وَعَلَى آلهِ وَصَحِبهِ أَجمَعِيْن, وَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين
      "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ".

      حذف
  6. بسم الله والحمدلله
    شرحك وافي بس لريدك ان تفكر اكثر في ورك على ظلع
    شكرا للك

    ردحذف
  7. الله يجزيك الخير يا رب وخصوصا ردك على صاحب الاستفسارات
    احمد البتراء

    ردحذف
    الردود
    1. أسأل الله أن يكون عملي صالحاً، ولوجهه خالصاً
      اللهمَّ اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما يعلمون وما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون

      حذف
  8. شرح غلط اولاً كمال اتتورك استلم الحكم بعد انهيار الدولة العثمانية وإن مادمر الدولة الإسلامية العثمانية العرب وخاصتة السعودية ودول الخليج بالتعاون مع بريطانية التي فشلت في القضاء على الدولة العثمانية وتكبدت خسائر كبيرة لكنها نجحت بعد تسليح خونة في الداخل وهذا الفتنة التي تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم التي سرة العدو بالقضاء على اخر خلافة اسلامية لماذا يشوهون التاريخ لانهم يخجلون من الماضي ام يخاف قول الحق

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      اشكرك لمرورك وتعليقك
      أولا: شرحي من وجهة نظري الشخصية، وهي ظنيّة وليست قطعية.

      ثانيا: أصبت في شيء، وغابت عنك أشياء:
      أصبت في أن مصطفى كمال أتاتورك استلم الحكم بعد انهيار الدولة العثمانية؛ وفاتك أن أمره قبل الحرب العالمية الأولى، مثلا:
      * في عام 1905 استجوبه ضباط السلطان عبد الحميد مصطفى لقيامه بأعمال ضد الدولة العثمانية، ولمنشورات ممنوعة ولانضمامه لجمعيات معارضة، وسُجِن لمدة شهرين.
      * في عام 1906 أسس كمال أتاتورك في دمشق جمعية "وطن وحرية" ثم ذهب إلى سالونيك سرا دون علم الجيش والتحق بفرع جمعية الاتحاد والترقي في سالونيك والتي تتبنى الأفكار الغربية، واستخدمت الشعارات الدينية لكسب أنصار لها ضد خليفة المسلمين. وكانت الجمعية أهدافها :
      - قطع علاقة تركيا بالإسلام.
      - إلغاء الخلافة الاسلامية إلغاء تاما.
      - إخراج الخليفة وأنصار الإسلام من تركيا.
      - اتخاذ دستور مدني بدلا من دستور تركيا القديم.
      وقد نجحت الجمعية في أهدافها، وألغت الخلافة العثمانية مع مصطفى كمال أتاتورك، وعزلت السلطان عبد الحميد من منصبه وأعلنت الجمهورية التركية عام 1923.

      ثالثا: لا شك أن خونة الداخل ومؤامرات الخارج كان لها كبير الأثر، وجاءت الثورة العربية الكبرى فكانت قاسمة الظهر، والدول الغربية على رأسها بريطانيا كانت وراء دعم الشريف الحسين من جهة، ودعم خصومه آل سعود من جهة وحققت مراداتها بالوعود الكاذبة للشريف وغدره، وبضمان حليف لها وهم آل سعود؛ وبهذا تكون محقا في منتصف تعليقك في سرور الأعدء بالقضاء على اخر خلافة إسلامية.ولم أفهم قصدك بالحملة الأخيرة.
      والله أعلم .

      لم تذكر اسمك الطيب فلم أعرف من تشرفتُ بمراسلته هنا.

      حذف
  9. اللهم صلي علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه اجمعين اللهم امين يارب العالمين واغفر لنا وارحمنا انت مولانا وانصرنا علي القوم الضالمين بارك ألله فيك

    ردحذف
  10. آمين.

    ✏✏✏✏✏
    *الفرق بين صَلِّ وصَلّي على محمدٍ.*
    ☄☄☄☄☄

    *بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَبَعدُ؛*

    للعلم والتنبيه والفائدة:

    لقد ذكَّرتُ عشرات المرات،
    وفي عشرات المناسبات،
    على خطأ يقع في الكتابات،
    في الصلاة على سيّد الكائنات؛
    محمدٍ عليه أكمل الصلوات،
    وأتمّ السلامات:

    *1- صَلَّى (فعل ماضٍ):*
    ولذلكَ نقولُ مَثلاً:
    صَلَّى اللهُ على محمدٍ.
    للإخبار عن الماضي، كقولنا:
    صَلَّى اللهُ عليه وسلّم.

    *2- يُصَلِّي (فعل مضارع):*
    ولذلكَ نقولُ مَثلاً:
    هو يُصَلِّي على محمدٍ.
    هي تصَلِّي على محمدٍ.

    *3- صَلِّ (فعل أمر للمذكر):*
    يعني حينما نأمر رجلاً ، نقول:
    صَلِّ على محمد.
    كقولهِ تعالى:
    *(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).*

    ولذلكَ نقولُ :
    يا رب صَلِّ على محمد.
    أو اللَّهُمَّ صَلِّ على محمد.

    *4- صَلِّي (فعل أمر للمؤنث):*
    يعني حينما نأمر امرأة نقول: صَلِّي
    ولذلكَ نقولُ :
    صَلِّي على محمد...عند مخاطبة الأنثى.

    وهذا كقولِنا:
    بكى(فعل ماضٍ).
    يبكي(فعل مضارع).
    إبكِ (فعل أمر للمذكر).
    إبكي (فعل أمر للمؤنث).


    *وعليه فلا يجوز أن نقول: اللهمَّ صَلّي على محمد؛ لأنَّ في ذلكَ تأنيثاً للذاتِ الإلهية.*

    والصواب أن نقول:
    *اللَّهُمَّ صَلِّ على محمد.*

    *واللهُ أَعلَمْ.*
    *سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْك.*

    *وصلِّ اللهمَّ وسلمْ وبارك وترحَّم على عبدك ورسولك محمد النبي الأعظم وعلى اله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.*

    *د.ناصر.السخني.tt.*
    ✏✏✏✏✏

    العذر منكم لتكرار هذا المنشور، ولكن للأهمية والتنبيه.

    ردحذف