ثَبتَ لَنَا فِي الجُزْءِ الرَّابِعِ أنَّ ابْنَ
الصَّيَّادِ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّال الأكْبَر الْذِي أَنذَرَ
الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِم السَّلَامُ منهُ, وَحَذَّرَنَا الرَّسُوْلُ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ, وَأنَّ الدَّجَّالَ هُوَ الذِي فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ (حَدِيْثِ
الْجَسَّاسَةِ), وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيْث لمْ يَسْلَمْ مِن الْكَلَامِ على
سَنَدِهِ تَارةً, وَعَلى متنهِ تاراتٍ أُخرى؛ وَلِذَلِكَ أَفْرَدتُ لهُ الجُزْءَ
الْخَامِس.
وَمِنْ أجْلِ ألّا أطيلَ على قُرَّائِي؛
فَإنَّهُ بَعدَ التَّدقِيْقِ وَجَدتُ أنَّ الخِلَافَ في هَذَا الحَدِيْثِ
يَنْحَصِرُ بِمَا يَلِي:
1- مَنْ خَاضَ فِي
سَنَدِهِ حَتَّى أَوْهَمَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهَا فَاتَّهَمَهَا, أَوِ اتْهَمَ تَمِيمَاً الدَّارِيَّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ بَأنَّها مِنْ قِصَصِهِ النَّصرَانيَّة؛ لِيَردَّ
الحَدِيْثَ سَنَدَاً ثُمَّ مَتْنَناً. كَالشَّيْخِ
مُحَمَّد رَشِيْد رِضَا([1])
- رَحِمَهُ الله - :
في (تَفْسِيْر الْمَنَار)([2]).
وَمِثْل مَحْمُوْد أَبُو رَيَّة: ([3]) في (أَضْوَاءٌ عَلَى السُّنّةِ الْمُحَمَّدِيّةِ)([4]). وَمِثْل: الدكْتُوْر حَاكِم المطِيْرِي([5]) -
حَفِظَهُ اللهُ -: في (دِرَاسَةٌ
لِحَدِيْثِ الجَسَّاسَةِ وَبَيَان مَا فِيْه مِن العِلَلِ فِي الإسْنَادِ وَالمتنِ)([6]).
2- مَنْ سَلَّمَ بِصِحَّةِ سَنَدِهِ؛ وَلَكِنَّهُ قَالَ
أنَّ فِي مَتْنِهِ نَكَارَةً. مِثْل: ابْن عثِيْمِيْن - رَحِمَهُ الله - حَيْثُ
سُئِلَ:
مَا قَوْلُكُمْ فِي حَدِيْثِ الجَسَّاسَةِ
الذِي فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ؟. فَقَالَ: (إنَّ
النَّفْسَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَى صِحَّتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِمَا فِي سِيَاقِ مَتْنِهِ مِن النَّكَارَةِ, وَقَدْ أنكَرَهُ
الشَّيْخُ مُحَمَّد رَشِيْد رِضَا فِيَ تَفْسِيْرِهِ إنْكَارَاً عَظِيْمَاً لِأنَّ
سِيَاقَهُ يَبْعدُ أنْ يَكونَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ)([7]). وَقَالَ أيْضَاً عَنْ حَدِيْثِ الجَسَّاسَةِ
فِي شَرْحِ مُسْلِم: ( فِيْهِ شَيءٌ مِنَ الإضْطِرَابِ)([8]). وَسُئِلَ- رَحِمَهُ الله - : ذَكَرتُمْ فِي فَتْوَى لَكُمْ بأنَّ الدَّجَّالَ غَير مَوْجُودٍ
الآنَ، وَهَذَا الكَلَامُ ظَاهِرهُ يَتَعَارَضُ مَع حَدِيْثِ فَاطِمَة بِنْت
قَيْسٍ فِي الصَّحِيْحِ عَنْ قِصَّةِ تَمِيْمٍ الدَّارِيِّ،
فَنَرجُوا مِنْ فَضِيْلَتِكُمْ التَّكَرُّمَ بِتَوْضِيْحِ ذَلِكَ. فَقَالَ: (ذَكَرنَا
هَذَا مُستَدِلِّين بمَا ثبتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنه عَلَى رَأْسِ
مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأرضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا اليَومَ أَحَدٌ
"([9])، فإذَا طَبَّقْنَا
هَذَا الحَدِيْث عَلَى حَديْثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ صَارَ مُعَارِضَاً لَه،
لأنَّ ظَاهِرَ حَديْثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أنَّ
هَذَا الدَّجَّالَ يَبْقَى حَتَّى يَخْرُجَ فَيَكُوْن مُعَارِضَاً لِهَذَا الحَدِيثِ
الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأيْضَاً فإنَّ سِيَاقَ حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ
فِي ذِكْرِ الجَسَّاسَةِ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيء هَلْ
هُوَ مِنْ تَعْبِيْرِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ لَا)([10]).
3- مَنْ سَلَّمَ
بِصِحَّةِ سَنَدِهِ, وَسلامةِ مَتْنِهِ, وَلَكِنَّهُ قَالَ: أنَّ حَدِيْثَ
الْجَسَّاسَةِ رُؤْيَا مَنَامٍ رَآهَا تَمِيْمٌ الدَّارِيّ وَحَدَّثَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ, وَسَقَطَ عَنْ فَاطِمَةَ
بِنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّها رُؤْيَا
مَنَامٍ,
وأنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا" دَلَالَةٌ
عَلَى الرُّؤْيَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}([11]). وَبِذلِكَ فَأَصْحَابُ هَذَا الرَّأْيِّ يَرَوْنَ
أنَّ الدَّجَّالَ رَمْزٌ وَلَيْسَ بَشَراً, وَهُوَ أَمْرِيْكَا([12]) أَوِ إسْرَائِيْل([13]).
4-
مَنْ سَلَّمَ بِصِحَّةِ سَنَدِهِ, وَسلامةِ مَتْنِهِ أَيْضَاً, وَدَافعَ عَنِ الْحَدِيْثِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ وَاحْتَجَّ بِمَا
فِيْهِ, وَهُمْ الجُمْهُوْرُ الْغَالِبُ - وَأَنَا مِنْهُمْ - فَهُوَ حَدِيْث صَحِيْحٌ سَنَدَاً وَمَتْنَاً, وَلمْ يُعِلهُ أوْ
يَتَكَلَّم فيهِ إلا بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ الْمَادِّيِّ الْعَقْلَانِيِّ
الصَّرْفِ, الَّذِيْنَ يَرُدُّوْنَ مَا يُخَالِفُ العَقْلَ([14]) وَالْمَنْطِقَ
عَلَى نَهْجِ الْمُسْتَشْرِقِيْنَ, أَوْ الَّذِيْنَ أَكَلَتْ عُقُوْلَهُم الحَضَارَةُ
الغَربِيّةُ بِتَقَدُّمِهَا العِلْمِيّ؛ وَتَسَاءلوا - سُؤَالِ الْمُنْكِرِ -: اينَ هّذِهِ الجَزِيْرَةُ مِنَ الأَقْمَارِ الصِّنَاعِيَّةِ الْتِي
لَمْ تَتْرِكُ شَارِدَةً وَلَا وَارِدَةً عَلَى الأَرْضِ إلَّا وَكَشَفَتهَا؟؟!!
وسيأتي الرَّدّ عَلَى ذَلِكَ. وَسَوَّغَ لَهُمْ انْجِرَافَهُمْ هَذَا الطَّعْنَ بِصَحَابِيٍّ
جَليلٍ مَشْهُودٍ لَهُ, وَاتِّهَامَهُ بِالافْتِرَاءِ وَتَلْوُيْثِ الإسْلَامِ بِقِصَصِهِ
الْمَسِيْحِيَّةِ, أَوِ التَّعَرُّضَ لِصَحَابِيَّةٍ وَالْمُنَاضَلَةَ لِإثْبَاتِ
وَهْمِهَا, أَوِ الطَّعنِ بِصَحِيْحِ مُسْلِمٍ - ثَانِي أَصَحّ الْكُتُب فِي سُنَّةِ
نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ صَحِيْحِ الْبُخَارِيّ- أَوِ
اعْتِبَار الحَدِيْث مِنَ الأسَاطِيْر وَالْخُرَافَاتِ.
*وَأَقُوْلُ رَدَّاً عَلَى الطَّاعِنِيْنَ وَالْمُشَكِّكِيْنَ:
وإلى
لقاءٍ مَع تتمة الجُزْء الْخَامِسِ: الدَّجَّال,
وَحَدِيْث الْجَسَّاسَة ....
([5]) هو الشيخ الكويتي المولود في
الكويت 1964م, المدرس في كلية الشريعة بجامعة الكويت. انظر موقعهُ على الشبكة
العنكبوتية: http://www.dr-hakem.com
([9]) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَرَأَيْتَكُمْ
لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى
مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ".
قال ابن حجر في فتح الباري: ( أَنَّ الْمُرَادَ
انْقِرَاضُ ذَلِكَ الْقَرْنِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَضَتْ مِائَةُ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ تِلْكَ
الْمَقَالَةِ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ
آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ كَمَا
جَزَمَ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ
مِنَ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ تِلْكَ
الْمَقَالَةِ). قال النووي في شرح مسلم: ( وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ
مَنْفُوسَةٍ كَانَتِ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ
مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، سَوَاءٌ قَلَّ أَمْرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَيْسَ
فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ
سَنَةٍ).
([10]) مجموع فتاوى ورسائل ابن
عثيمين, المجلد الحادي عشر, باب اليوم الآخر. أقول: قال ابن عثيمين -رحمه الله- في كتابه مصطلح الحديث: (اتفق العلماء
على أن صحيحي البخاري ومسلم أصح الكتب المصنفة في الحديث فيما ذكراه متصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا يتفقان على حديث إلا
يكون صحيحاً لا ريب فيه. وقال: جمهور متونهما، يعلم أهل الحديث علماً قطعيًّا أن
النبي صلّى الله عليه وسلّم قالها).
([14]) العقل لا يمكن أن يكون مصدرا
للتشريع, لأنَّ نتاج العقل يختلف حسب البيئةِ والمجتمع, وحسب التعليم والتعلّم,
ولأنَّ العقول متفاوتة بالإدراك؛ ولذلك نحن نُقدم النقل على العقل أو الاتباع على الاقتناع, دون أن نهمل
العقل والشارع - جلَّ جلالهُ - هو الأعلم بأحوال الخلائق أجمعين, وبتنوعهم وما
يناسبهم, وهو الحكم الفصل بينهم.
يعطيك العافية دكتورنا الغالي
ردحذفبس انت قطعت فينا الحبل وبنتمنا انو يكمل الجزء 5 باسرع وقت لاني متشوقة اعرف ردرودك على اللي كذبوبوا بالدجال.
ريما المصري