16‏/05‏/2012

رسالة: الأعور الدَّجَّال أو مَسِيْح الضَّلال ج4

الجُزْء الرَّابعِ: هَل ابْنُ الصَّيَّادِ هُوَ الدَّجَّال؟!!



   عَرفْنَا في الجزءِ الأْوَّل أنَّ الدَّجَّالَ أوّلُ العَلامَاتِ الكُبْرَى, وَفي الثَّاني سَبَبَ تَسْمِيَتهِ, وفي الثَّالِث أوْصَافَهُ, وهُنَا نَعْرفُ هَلْ ابْنُ الصَّيَّادِ هُوَ الدَّجَّال؟!!





هَلْ ابْنُ الصَّيَّادِ هُوَ الدَّجَّال؟!:

   عَلى الرَّغْمِ مِنْ أنَّ الرَّسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُ لَنَا بحيث يَعرفهُ كلُّ مَنْ رَآهُ, وَهوَ مَسيحٌ , مَسيخٌ, أعوَر, دَجَّالٌ, كذَّابٌ,.. وهذهِ كُلّهَا صِفاتٌ لهُ وليْسَتْ أسْمَاء, وَأمَّا تَسْميتهُ بـِ (سامري), أو تكنيتهُ بـِ (أبو يوسف), وما إلى ذلك؛ فهذا لا يصحُّ: قَالَ ابْنُ كَثير:( وَقَدْ رَوَى الحَافِظُ أحْمَد بْن عَلي الأبار، في تَاريخهِ، مِنْ طَرِيْقِ مُجَالِدٍ، عَنْ الشَّعبي، أنَّهُ قَالَ : كُنية الدَّجَّالِ أبُو يُوسِف) ([1]). قَالَ أَبُو حيَّان:( قَالَ الشَّعبي: كُنية الدَّجَّالِ أبُو يُوسِف, وَلا أدْرِي مِن أينَ لهُ هَذا)([2]).

  قَالَ السَّفاريني:( وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ صَافِي بْنُ الصَّيَّادِ أَوْ صَائِدٌ ....، وَقِيلَ بَلْ هُوَ الشَّيْطَانُ مُوثَقٌ فِي بَعْضِ الْجَزَائِرِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ أَوْلَادِ شِقٍّ الْكَاهِنِ أَوْ هُوَ شِقٌّ نَفْسُهُ وَأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ جِنِّيَّةً عَشِقَتْ أَبَاهُ فَأَوْلَدَهَا إِيَّاهُ وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَعْمَلُ لَهُ الْعَجَائِبَ فَحَبَسَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ, وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَائِبٍ) ([3]).



   أَقُوْلُ: الأَقْوَالُ في وَصْفهِ تَسْتَنِدُ إلى نُصُوْصٍ صَريحةٍ صَحِيحةٍ, وَلا شَكَّ أنَّ للمَسِيْحِ الدَّجَّالِ اسْماً, واسْمَ أبٍ كَبَقِيَّةِ البَشَرِ, وَلَكِنَّ الأَقْوَالَ فِيْهَا لا تَسْتَنِدُ إلى نَصٍّ, وَهيَ أُمُوْرُ غَيْبٍ مَحْصُورةٍ بالخَبَرِ الأكِيْدِ الصَّادِقِ؛ وإنَّني لمْ أَجِدْ حَدِيْثَاً صَحِيْحَاً وَاحِداً يُخْبِرُنَا بِاسْمهِ أو اسْمِ أَبِيْهِ, وَلا عَنْ صِفَةِ والديهِ, وَلا عَنْ مَولدهِ. 

  

     وأمَّا مَا تَنَاقَلتهُ الْكَثِيْر مِن الْكُتُبِ عَنْ أنَّهُ يُولَدُ بعدَ ثَلاثِينَ عَاماً لأبوين لا يُولَدُ لَهُمَا, وأنهُ يُولَدُ أَعْوَرُ, وَمَا إلى ذَلِك مِن وَصفِ أَبويهِ... فهذا لا يصحُّ أبداً, وَكُلّ مّنْ كَتبَ عَن ذَلِك اعْتَدَّ بالحَدِيْثِ الضَّعِيْفِ:" يَمْكُثُ أَبَوَا الدَّجَّالِ ثَلاثِينَ عَامًا لا يُولَدُ لَهُمَا, ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلامٌ أَعْوَرُ، أَضَرُّ شَيْءٍ, وَأَقَلُّهُ نَفْعًا, تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ "، ثُمَّ نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ، فَقَالَ:" أَبُوهُ رَجُلٌ طُوَالٌ، ضَرْبُ اللَّحْمُ، كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ, وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ فِرْضَاخِيَّةٌ, طَوِيلَةُ الثَّدْيَيْنِ". قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: فَسَمِعْنَا بِمَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْيَهُودِ فِي الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ, فَإِذَا نَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا, فَقُلْنَا: هَلْ لَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالا مَكَثْنَا ثَلاثِينَ سَنَةً لا يُولَدُ لَنَا, ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلامٌ أَعْوَرُ، أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ نَفْعًا، تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمَا, فَإِذَا بِهِ مُنْجَدِلٌ فِي قَطِيفَةٍ فِي الشَّمْسِ, لَهُ هَمْهَمَةٌ, قَالَ: فَكَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَا قُلْتُمَا؟ قَالَ: قُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ مَا قُلْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ, إِنَّهُ تَنَامُ عَيْنَايَ وَلا يَنَامُ قَلْبِي" ([4]).

   وَهَذا يَنْتَقلُ بِنَا لِلكلامِ عَمَّن ظُنَّ أنَّهُ الدَّجَّال - أي ابْنُ الصَّيَاد - عِنْدَ بَعضِ الصَّحَابَةِ, وَعِنْدَ بَعضِ العُلَمَاء: فَمنْ هوَ ابْنُ الصَّيَاد, أو عَبْدُ اللّهِ بنُ صَيَّاد, أو صَاف أو صَافي بنُ صَيَّاد, أو ابْنُ صَائِد, أو ابْنُ صَايد, أو ابْنُ الصَّائِد ؟!



   قَالَ ابنُ الأثير:( عَبْدُ اللّهِ بنُ صَيَّاد. أَوردهُ ابنُ شَاهين وَقال: هُو ابنُ صَائِد، كان أَبوه من اليهود، لا يدرى ممنْ هو؟ وهو الذي يقول بعضُ النَّاس: إِنه الدَّجَّال. وُلِد على عهدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعورَ مَختوناً، مِن ولدهِ: عُمَارة بن عَبْد اللهِ بنُ صَيَّاد، من خيارِ المسلمين، مِن أَصحاب سعيد بن الْمُسَيَّب. رَوى عنهُ مالك وغيره) ([5]).

   قَالَ ابنُ كثير:( وَقَدْ يَكُونُ أَصْلَ اسْمِهِ صَافُ، ثُمَّ تَسَمَّى لَمَّا أَسْلَمَ بِعَبْدِ اللهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ، ثُمَّ تِيبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَاللهُ أَعلمُ بِضَميرهِ وَسَرِيْرَتهِ) ([6]).



   قَالَ ابنُ حَجَر:( عُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن صَيَّادٍ الأنصاري أبو أيوب المدني، روى عن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعطاء بن يسار، وعنه الضحاك بن عثمان الخزامي ومالك بن أنس وغيرهما. قال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه في الفضل أحداً) ([7]).



   قَالَ الذهبي:( ابنُ صَائِد كان أبوهُ يهودياً فولدَ عبد الله أعورَ مختوناً، وهو الذي قيل إنه الدَّجَّال ثمَّ أَسْلَمَ فَهُوَ تَابِعِي لَهُ رُؤية) ([8]).



    قَالَ ابنُ حَجَر: (ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينَ، والباوَرْدِي. وابن السكن، وأبو موسى في الذيل؛ قال ابن شاهين: كان أبوه من اليهود، ولا يدري من أي قبيلة هو؛ وهو الذي يقال إنه الدَّجَّال.... وفي الجملة لا معنى لذكرِ ابْنِ صَيَّادِ في الصَّحابة؛ لأنه إنْ كانَ الدَّجَّال فليسَ بِصَحَابيٍّ قطعاً، لأنه يموتُ كَافِراً؛ وإنْ كانَ غيرهُ فَهُو حَالَ لقيه النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ لم يكنْ مُسْلِمَاً) ([9]).



    قَالَ المعري: (وقدْ كانَ بالمدينةِ قومٌ يظنُّون أنَّ عَبْد اللهِ بنُ صَائِد هُو الدَّجَّال. فأسلمَ عَبْدُ اللّهِ بنُ صَائِد, وغزا مَع المسلِمين. وَقالَ جابر بنُ عبدِ اللهِ، أو غيرهُ مِن الصَّحابَةِ: ما زلتُ في شكٍ من عَبْد اللّهِ بنُ صَائِد، حَتَّى قُبِر) ([10]).



    قَالَ ابن جرير الطبري: (وأحسبُ أنَّ الذِي ينتظرونهُ ويدعونَ أنَّ صفته في التوراة مثبتة هُو الدَّجَّال الذي وصفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمَّتهِ، وذكر لهم أن عامَّة أتباعهِ اليهود، فإنْ كانَ ذلكَ هُو عَبْد اللهِ بني صَيَّادِ، فهو مِن نَسلِ اليهود)([11]).



   قَالَ العيني: (وقالَ ابن الجوزي: أنَّ ابْنَ الصَّيَاد يقالُ لهُ ابن الصائد وابن صائد واسمه صافي كقاضي وقيل عَبْد اللهِ وقال الواقدي هو من بني النَّجار وقيل من اليهودِ وكانوا حلفاء بني النجار وابنهُ عمارة شيخ مالك مِن خيار المسلمين) ([12]).



   قَالَ المزي عن ابْنِ صَيَّادِ: (وهو الَّذِي قِيلَ إنَّهُ الدَّجَّال لِأُمُورٍ كَانَ يفعلها، وقد أسلمَ عبد الله بْن صيَّاد، وَحَجَّ وغزا مَعَ المسلمين، وأقام بِالْمَدِينَةِ، وماتَ عُمارة - ابنهُ - فِي خلافة مروان بْن محمد) ([13]).



   أَقُوْلُ: مَنْ قَالَ أنَّ ابْنَ الصَّيَّادِ هُوَ الدَّجَّال بَنى قَوْلهُ عَلى نُصُوْصٍ صَحِيحَة, دَلَّتْ عَلى أنَّهُ الدَّجَّال:



1- عَنْ ابنِ عُمَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:" أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ- الْحُلُمَ - فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابْنِ صَيَّادٍ -: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ, فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ فَرَفَضَهُ - أَيْ تَرَكَهُ - رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ, ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنِ صَيَّادٍ: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، وَفي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:( فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا ابْنَ صَائِد مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى حَقًّا, وَأَرَى بَاطِلا, وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ, أَوْ قَالَ عَلَى الْبَحْرِ, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ عَرْشُ إِبْلِيسَ) ([14]). وَفي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:( تَرَى عَرْشَ إِبْلِيسَ) ([15]).  فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا- وَخَبَأَ لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}([16]) - قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْسَأْ, فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ, قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ" ([17]). وَفي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:"‏ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ! فَأَقْتُلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ([18])، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَإِلَّا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ. وَفي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:"‏ دَعْهُ, فَإِنْ يَكُنْ الَّذِي تَخَافُ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ" ([19]). فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ" ([20]).



2- وَقَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ:" انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ, فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ هَذَا مُحَمَّدٌ, فَثَارَ - فَوَثَبَ - ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". وَقَالَ ‏‏سَالِمٌ ‏ ‏قَالَ ‏‏ابْنُ عُمَرَ: ‏ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ ‏الدَّجَّالَ ‏فَقَالَ: ‏"إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ ‏نُوحٌ ‏‏قَوْمَهُ وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ" ([21]).



3- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلَامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ، طَالِعَةٌ نَابُهُ، فَأَشْفَقَ([22]) رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ، فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ، فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ"([23]).



4- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، فَيَعْلَمُ أَهُوَ هُوَ أَمْ لَا.....ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةَ أَوِ الرَّابِعَةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَنَا مَعَهُ، قَالَ: فَبَادَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَيْدِينَا، رَجَاءَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبُيِّنَ "([24]).



5- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَحْلِفُ بِاللهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: تَحْلِفُ بِاللهِ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([25]).



6- قَالَ أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" لَأَنْ أَحْلِفَ عَشْرَ مِرَارٍ - عَشْرَ مِرَاتٍ - وَفي رِوَايَةٍ:( عَشْرَةَ أَيْمَانٍ) ([26]) أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ هُوَ الدَّجَّالُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَ: سَلْهَا كَمْ حَمَلَتْ بِهِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: حَمَلْتُ بِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَيْهَا، فَقَالَ: سَلْهَا عَنْ صَيْحَتِهِ حِينَ وَقَعَ, قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: صَاحَ صَيْحَةَ الصَّبِيِّ ابْنِ شَهْرٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبْئاً قَالَ: خَبَأْتَ لِي عَظْمَ شَاةٍ عَفْرَاءَ ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَ{الدُّخَانَ} فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: الدُّخُّ الدُّخُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْسَأْ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"([27]). وَفي رِوَايَةٍ: (اخْسَأْ فَإِنَّك لَنْ تَسْبِقَ الْقَدَرَ)([28]).



7- عَنْ نَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: وَاللهِ مَا أَشُكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ابْنُ الصَّيَّادِ"([29]).



8- عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:" خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا - مُعْتَمِرِينَ - وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ ، فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي. فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ؛ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَفَعَلَ. قَالَ: فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ - قدح كبير - فَقَالَ: اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ - مَا بِي إِلا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ - فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِي النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمٌ؟ وَفي رِوَايَةٍ:( إِنَّهُ يَهُودِيٌّ وَقَدْ أَسْلَمْتُ؟) أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ عَقِيمٌ لا يُولَدُ لَهُ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ، وَفي رِوَايَةٍ:(فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجِيءُ بِهَذَا حَتَّى قُلْتُ فَلَعَلَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ) ([30]). ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَعْرِفُهُ, وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ الآنَ. وَفي رِوَايَةٍ:(ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّكَ خَبَرًا حَقًّا وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ وَالِدَهُ وَأَعْرِفُ أَيْنَ هُوَ السَّاعَةَ مِنْ الْأَرْضِ) ([31]). قَالَ: قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ ". وَفي رِوَايَةٍ:(فَلَبَسَنِي) ([32]). وَفي رِوَايَةٍ:(قَالَ ابْنُ صَيَّاد: أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَعْلَمُ الآنَ حَيْثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ. وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ " ([33]).



9- عَنْ ابنِ عُمَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:" لَقِيتُ ابْنَ صَائِدٍ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا مَرَّةً فَلَقِيتُهُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ, فَقُلْتُ لِبَعْضِهِمْ: نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ لَتَصْدُقُنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَتُحَدِّثُونِي أَنَّهُ هُوَ؟ قَالُوا: لَا، قُلْتُ: كَذَبْتُمْ وَاللهِ، لَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُكُمْ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَقَلُّكُمْ مَالًا وَوَلَداً, أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَكُمْ مَالًا وَوَلَدًا، وَهُوَ الْيَوْمَ كَذَلِكَ، ثُمَّ فَارَقْتُهُ، ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً أُخْرَى ( وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ) ([34])، وَقَدْ تَغَيَّرَتْ عَيْنُهُ، فَقُلْتُ: مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى؟( فَلَمَّا رَأَيْتُهَا قَدْ طُفِئَتْ قُلْتُ: يَا ابْنَ صَيَّادٍ أَنْشُدُكَ اللهَ، مَتَى طُفِئَتْ عَيْنُكَ هَذِهِ؟ فَمَسَحَهَا وَقَالَ: لا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، لا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسَكِ؟) ([35])، فَقَالَ: مَا تُرِيدُ مِنِّي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَخْلُقَهُ مِنْ عَصَاكَ هَذِهِ خَلَقَهُ, وَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُهُ قَطُّ،( فَقُلْتُ لَهُ: اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُو قَدْرَكَ، قَالَ: أَجَلْ لَعَمْرِ اللهِ لا أَعْدُو قِدْرِي) ([36])، فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِي حَتَّى تَكَسَّرَتْ، وَأَمَّا أَنَا فَوَاللهِ مَا شَعَرْتُ, قالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي حَفْصَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: مَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ, أَنَّهُ قَالَ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَوَّلَ خُرُوجِهِ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا "([37]). وَفي رِوَايَةٍ:( عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا)([38]) وَفي رِوَايَةٍ:( إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ ) ([39]). وَفي رِوَايَةٍ عن نَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:" لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ قَوْلا أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ وَفي رِوَايَةٍ:(حَتَّى سَدَّ الطَّرِيقَ) ([40]), فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا فَقَالَتْ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنْ ابْنِ صَائِدٍ وَفي رِوَايَةٍ:(مَا شَأْنُكَ وَشَأْنُهُ تُولَعُ بِهِ) ([41]), أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا يَخْرُجُ - الدَّجَّالُ - مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا" ([42]).



10- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ([43])" ([44]).



11- عَنْ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ, عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" شَهِدَ جَابِرٌ أَنَّهُ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ؟! قَالَ: وَإِنْ مَاتَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ أَسْلَمَ؟! قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ؟! قَالَ: وَإِنْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ" ([45]).



12- وأمَّا مَا رُويَ مِنْ حَدِيْثٍ:" لَعَلَّهُ يُدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَآنِي، أَوْ سَمِعَ كَلامِيَ". أَوْ: " إِنَّكُمْ سَتُدْرِكُونَهُ، أَوْ سَيُدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَآنِي وَسَمِعَ مِنِّي " ([46]).  فَهُوَ حَديثٌ ضَعِيْفٌ لَمْ يَصِح؛ وَلا حُجَّة فيه.

13- وأمَّا مَا رُويَ مِنْ حَدِيْثٍ:" لَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ ، وَمَشَى فِي الأَسْوَاقِ يَعْنِي : الدَّجَّالَ" ([47]).أَوْ: " أَلا كُلُّ نَبِيٍّ قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَّهُ يَوْمَهُ هَذَا قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ" ([48]). فَهُوَ حَديثٌ ضَعِيْفٌ لَمْ يَصِح؛ وَلا تَقومُ فيه حُجَّة.

  

14- وأمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ ؛ فَهُوَ أثرٌ لَمْ يَصِح؛ وَلا يُعتَمَدُ عَلِيْه: عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحْنَا أَصْبَهَانَ كَانَ بَيْنَ عَسْكَرِنَا وَبَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ فَرْسَخٌ، فَكُنَّا نَأْتِيهَا فَنَمْتَارَ مِنْهَا، فَأَتَيْتُهَا يَوْمًا فَإِذَا الْيَهُودُ يَزْفِنُونَ وَيَضْرِبُونَ، فَسَأَلْتُ صَدِيقاً لِي مِنْهُمْ فَقَالَ مَلِكُنَا الَّذِي نَسْتَفْتِحُ بِهِ عَلَى الْعَرَبِ يَدْخُلُ فَبِتَّ عِنْدَهُ عَلَى سَطْحٍ فَصَلَّيْتُ الْغَدَاةَ فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِذَا لِرَهْجٍ مِنْ قِبَلِ الْعَسْكَرِ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مِنْ رَيْحَانٍ وَالْيَهُودُ يَزْفِنُونَ وَيَضْرِبُونَ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَلَمْ يَعُدْ حَتَّى السَّاعَةَ" ([49]).



* أَقُوْلُ: نَسْتَخْلِصُ مِمَّا سَبَقَ مَا يَلي:

1- ابْنُ الصَّيَاد, أو ابْنُ صَيَّاد, أو ابْنُ صَائِد, أو ابْنُ صَايد, أو ابْنُ الصَّائِد أو صَاف أو صَافي, هُوَ رجلٌ مِن يهود الْمَدِينَةِ, كَانَ أبُوهُ مِن اليَهُودِ، لَا يَدرى ممنْ هو, أوَ لا يدري من أي قبيلة هو. كما سَبَقَ في قَوْلِ ابنِ الأثير, وابنِ حَجر, والطَبَرِي.



2- كان غُلاماً صغيراً عِنْدَمَا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْمَدِينَةِ "وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ" كَمَا في الحديثِ الأوَّلِ أَعلَاه. وَهُوَ لَيْسَ مِن الصَّحَابَةِ لأنَّهُ: حَالَ لقيهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكنْ مُسْلِمَاً. كما سَبَقَ  في قَوْلِ ابنِ حَجَر في الإصابةِ في تمييز الصَّحابةِ.



3- شَاعَ أَمْرُهُ بينَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, فِيْمَا يَدَّعِيْه مِن الْكَهَانَةِ وَأُمُوْرِ الْغَيْبِ, وَقَدْ أرادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنْ يَتَبَيّنَ أمرَهُ ويَكْشِفَ حَقيْقتهُ إذْ دَعَا عَلَى أُمِّهِ حِيْنَ نَبَّهتهُ: " قَاتَلَهَا اللهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ". كَمَا صَحَّ. وَكَانَ "يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، فَيَعْلَمُ أَهُوَ هُوَ أَمْ لَا". كَمَا صَحَّ أيْضَاً. وَلِذلِكَ أرسلَ أَبَا ذَرٍّ الغِفَارِي إِلَى أُمِّهِ لِيَسْألهَا:" كَمْ حَمَلَتْ بِهِ, وَعَنْ صَيْحَتِهِ حِينَ وَقَعَ" كَمَا في الحديثِ السَّادِس. وَلِذلِكَ قَالَ لِعُمر:" إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَإِلَّا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ". "فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقًا أَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ" كَمَا سَبَقَ في الحديثِ الأوَّل؛ مِما يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَوَقِّفَاً في شَأنِهِ، وَأنَّهُ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ ابْنُ الصَّيَادِ بِشَيءٍ؛ وَلِذلِكَ لَمْ يَصِح عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَجزِمُ أَوْ يُفِيْدُ أَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ أوَ أنَّهُ لَيْسَ الدَّجَّال, ولَكنَّ بَعدَ ذَلكَ جَاءَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَحَدَّثَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقالَ للنَّاسِ:" جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيماً الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ وَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحٍ الدَّجَّالِ"([50]). وسَيأتي تَفْصِيْل هَذَا الحَدِيث. بَلْ ورَأى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ في رؤيا وَشَبَّهَهُ "بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ"([51]).



4- كانَ ابْنُ الصَّيَاد يَتَكَهّنُ, ويَتَعَاملُ مع الشياطين شَأْنُهُ شَأْن الكُهَّانِ وَالسَّحَرَةِ، فَهوَ دَجَّالٌ حَتْمَاً, أَوَلَمْ يَقُلْ: "يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، أَرَى حَقّاً وَأَرَى بَاطِلاً " كَمَا سَبَقَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتُحَدِّثُ فِي الْعَنَانِ - وَهُوَ السَّحَابُ - فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ - بِالْأَمْرِ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ - فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتُسْمِعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ". وَفي رِوَايَةٍ: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، فَيُلْقِيهَا عَلَى لِسَانِ الْكَاهِنِ أَوْ السَّاحِرِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ, فَتَصْدُقُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ" ([52]). ولِذلكَ امْتَحَنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمَ حَقِيْقَةَ حَالِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً - وَخَبَأَ لَهُ سُوْرَةَ الدُّخَانَ - وَأَرَادَ ابْنُ الصَّيَاد أَنْ يَقُولَ: الدُّخَان, فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: الدُّخُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْسَأْ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ. وَقَالَ لَهُ: خُلِطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ. وَفي هَذَا تَأكِيْدٌ أنَّهُ كَاهِنٌ يَأتيه الشَّيْطَانُ فَيُلْقِيهَا عَلَى لِسَانِهِ. وَقَدْ قالَ ابْنُ الصَّيَاد لِأَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ الدَّجَّالِ:" وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّكَ خَبَراً حَقًّا وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ وَالِدَهُ وَأَعْرِفُ أَيْنَ هُوَ السَّاعَةَ مِنْ الْأَرْضِ". ولِذلكَ قَالَ الذَّهبي:(لَهُ رُؤية). وَقِيلَ لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ ؟ فَقَالَ: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ. ولِذلكَ قَالَ ابنُ كثير:( وأنَّ ابنَ صَيَّادٍ كَانَ دَجَّالاً مِنَ الدَّجَاجِلَةِ، ثُمَّ تِيبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَاللهُ أَعلمُ بِضَميرهِ وَسَرِيْرَتهِ).



5- أَسْلَمَ ابْنُ الصَّيَاد وَصَارَ يُدعَى: عَبْدُ اللهِ بْنُ صَيَّاد. وغزا مَع المسلِمين. وَدَخلَ الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ, فَقدْ حَجَّ أو اعتَمَرَ, وقدْ وُلِد لَهُ - عُمَارة والْوَلِيْد فِيْمَا نَعلَمُ([53]) - كَمَا صَحَّ عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. وَمِنْ وَلدهِ: عُمَارة بن عَبْد اللهِ بنُ صَيَّاد، من خيارِ الْمُسْلِمِين، مِن سَادَاتِ التَّابِعِيْن. كَمَا سَبَقَ في قَوْلِ ابنِ الأثير في أسد الغابة, وابنِ كثير في النهاية, وابنِ الجوزي, فيما نقلهُ العيني في عُمَدة القاري.



6- كَانَ ابْنُ الصَّيَادِ يَسْمَعُ قَوْلَ النَّاسِ فيه, وَيُدَافِعُ عَنْ نَفسِهِ بأنَّهُ لَيْسَ الدَّجَّال, ويحتجُّ بِمَا أَخْبَرَ بهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَا يُطَابِق أَحوَالَهُ. كَمَا صَحَّ.



7- فُقِدَ ابنُ الصيَّادِ يَومَ وَقْعةِ الحَرَّة, فَكَأنَّما لَمْ يجدوهُ بينَ الأمْواتِ, ولمْ يَكُنْ بينَ الأحيَاءِ, كَمَا صَحَّ  عَنْ جَابِرٍ:" فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ". وَهَذا مما زَادَ الْوَهْمَ بِهِ.



 8- الصَّحَابَةُ الذينَ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أنَّ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّال:

        أ‌-        عُمَر بن الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَحْلِفُ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     ب‌-    جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَحْلِفُ بِاللهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ لِأنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     ت‌-    ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَحْلِفُ: وَاللهِ مَا أَشُكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ابْنُ الصَّيَّادِ.

     ث‌-    أَبُو ذَرٍّ الغِفَارِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ: لَأَنْ أَحْلِفَ عَشْرَ مِرَاتٍ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ هُوَ الدَّجَّالُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ.

     ج‌-     أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كانَ يَشكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ابْنُ الصَّيَّادِ بِقوْلهِ:  (حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ, أو حَتَّى قُلْتُ فَلَعَلَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ) وَبِقوْلهِ: (فَلَبَسَنِي).



  * أَقُوْالُ العُلَمَاءِ بابْنِ الصَّيَّادِ:

   اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي أَمرِ ابْنِ الصَّيَّادِ اختلافاً جَلِيَّاً، وَتَفَاوَتَتْ الآراءُ عِنْدَهُمْ لِكَثْرَةِ الرِّوُاياتِ - الصَّحِيْحَة وَالضَّعِيْفَة - الْمُتَعَارِضة في شَأْنِهِ:

* مِن العُلَمَاءُ الْذيْنَ قَالُوا أَنَّ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّال الأَكْبَر:

  • قَالَ الْقُرْطُبِيّ: (الصَّحِيحُ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّال بِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَمَا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ بِالجزيرة في ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَكُونَ بَيْنَ أَظْهُرِ الصَّحَابَةِ في وَقْتٍ آخَر)([54]).
  • قَالَ النَّوَوِيّ: (قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ، وَأَمْرُهُ مُشْتَبَهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أَمْ غَيْرُهُ؟ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ. ..... وَمِنَ اشْتِبَاهِ قِصَّتِهِ وَكَوْنِهِ أَحَدَ الدَّجَاجِلَةِ الْكَذَّابِينَ. قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟) وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، وَأَنَّهُ يَرَى عَرْشًا فَوْقَ الْمَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالُ، وَأَنَّهُ يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ، وَقَوْلُهُ: إِنِّي لَأَعْرِفُهُ، وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ، وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ وَانْتِفَاخُهُ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ. وَأَمَّا إِظْهَارُهُ الْإِسْلَامَ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَإِقْلَاعُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي أَنَّهُ غَيْرَ الدَّجَّالِ)([55]).
  • قَالَ الشُّوْكاني: (وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ ابْنِ صَيَّادٍ اخْتِلَافًا شَدِيدًا، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ حَتَّى قِيلَ فِيهِ كُلَّ قَوْلٍ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي كَوْنِهِ هُوَ الدَّجَّالَ أَمْ لَا؟ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ- وَرَوى الحديث الخامِس المذكور سابِقاً - ثُمَّ قالَ: وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ التَّرَدُّدِ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَرَدَّدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمهُ الله تَعَالَى بِأَنَّهُ هُوَ الدَّجَّال, فَلَمَّا أَعْلَمَهُ لَمْ يُنْكِر عَلَى عُمَر حَلِفه. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَرَب قَدْ تُخْرِج الْكَلَام مَخْرَج الشَّكّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَر شَكّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ ابنِ عُمَرٍ قَالَ- وَرَوى الحديث التَّاسِع المذكور سابِقاً - ثُمَّ قَالَ اِبْن بَطَّال: فَإِنْ قِيلَ هَذَا أَيْضاً يَدُلّ عَلَى التَّرَدُّد فِي أَمْره. فَالْجَوَاب أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ الشَّكّ فِي أَنَّهُ الدَّجَّال الَّذِي يَقْتُلهُ عِيسَى بْن مَرْيَم, فَلَمْ يَقَع الشَّكّ فِي أَنَّهُ أَحَد الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَنْذَرَ بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: "إِنَّ بَيْن يَدَيْ السَّاعَة دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ". وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَفْصَةَ وَابْنَ عُمَرَ أَرَادَا الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ)([56]).



* مِن العُلَمَاءُ الْذيْنَ قَالُوا أَنَّ ابْنَ الصيَّادِ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّال الأَكْبَر:

  • قَالَ ابْنُ كَثير: (والمقصودُ أنَّ ابنَ صَيَّادٍ لَيْسَ بالدَّجَّالِ الذي يَخرجُ في آخرِ الزَّمَانِ قَطْعَاً، لِحَديثِ فاطمة بنت قيس الفهرية، وَهُو فَيْصَل في هذا المقام)([57]).
  • وقَالَ ابنُ كثير:( وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ كَانَ دَجَّالًا مِنَ الدَّجَاجِلَةِ, وَأَمَّا الدَّجَّالُ الْأَكْبَرُ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، الَّذِي رَوَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ, وَفِيهِ قِصَّةُ الْجَسَّاسَةِ) ([58]).
  • قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيّ: (وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ ابْنِ صَيَّادٍ اخْتِلَافًا شَدِيدًا، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُ حَتَّى قِيلَ فِيهِ كُلَّ قَوْلٍ..... وَكَانَ يبلغ رَسُول اللهِ خبره مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْكِهَانَةِ ، وَيَتَعَاطَاهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي الْغَيْبِ، فامتحنهُ بِذَلِكَ ليروزَ بِهِ أمرَهُ، ويخبر بِهِ شأنه، فَلَمَّا كلَّمَهُ، عَلِمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ، وأنه مِن جُملةِ السَّحرةِ أَوِ الكَهَنَةِ، أو مِمَّن يأتيه رَئِيٌ مِن الجنِّ، أَوْ يتعاهدهُ شَيْطَان... فالجملة من أمره أَنَّهُ كَانَ فتنةً قَدِ امْتَحَنَ اللهُ بِهِ عِبادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ، وَقَدِ امتحنَ الله قومَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي زمانهِ بالعجلِ، فافتتن بِهِ قوم وأهلكوا، ونجا من هداه الله وَعَصَمَهُ مِنْهُمْ)([59]).
  • قَالَ الْحَافِظُ ابْن حَجَر:( فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ مَا يُؤَيِّدُ كَوْنَ ابْنِ صَيَّادِ هُوَ الدَّجَّالُ- وَرَوى الأثر الضعيف الحادي عشر المذكور سابِقاً - ثُمَّ قالَ: وَذَكَرَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي " كِتَابِ الْفِتَنِ " أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِالدَّجَّالِ وَخُرُوجِهِ إِذَا ضُمَّتْ إِلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ انْتَظَمَتْ مِنْهَا لَهُ تَرْجَمَةٌ تَامَّةٌ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَشُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، قَالُوا جَمِيعاً: "الدَّجَّالُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ مُوثَقٌ بِسَبْعِينَ حَلْقَةٍ فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْيَمَنِ، لَا يَعْلَمُ مَنْ أَوْثَقَهُ سُلَيْمَانُ النَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِذَا آنَ ظُهُورُهُ فَكَّ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ حَلْقَةً. فَإِذَا بَرَزَ أَتَتْهُ أَتَانُ عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَضَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْبَرًا مِنْ نُحَاسٍ وَيَقْعُدُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُهُ قَبَائِلُ الْجِنِّ يُخْرِجُونَ لَهُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ". قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ كَوْنُ ابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّال، وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ مَعَ كَوْنِهِمْ ثِقَاتٍ تَلَقَّوْا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ)([60]). قَالَ السَّفَارِيني:(وَحَاصِلُ كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ وَوَافَقَهُ فِي الْإِشَاعَةِ)([61]).
  • قَالَ السَّفَارِيني: (وَفِي ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ وَآثَارٍ صَحِيحَةٍ إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً وَلَا نَصّاً فِي أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ.... ثم قال: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَوْنَ الدَّجَّالِ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ بَعِيدٌ بَلْ ضَعِيفٌ, .... ثم قال: وَحَاصِلُ كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ كَمَا تَقَدَّمَ)([62]).
  •  قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ: (اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ ابْنِ صَيَّادٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ؟ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرَهُ احْتَجَّ بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تُوَافِقَ صِفَةُ ابْنِ صَيَّادٍ صِفَةَ الدَّجَّالِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ بِالدَّجَّالِ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَكَانَ أَمْرُ ابْنِ صَيَّادٍ فِتْنَةً ابْتَلَى اللهُ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ، فَعَصَمَ اللهُ تَعَالَى مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ وَوَقَاهُمْ شَرَّهَا. قَالَ: وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ عُمَرَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي أَمْرِهِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْبَيَانُ أَنَّهُ غَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ. هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ اخْتَارَ أَنَّهُ غَيْرَهُ)([63]).
  • وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: (فِيهِ أَنَّ الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَكَانَ ابْنُ صَيَّادٍ أَحَدَ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِمْ، وَقَدْ خَرَجَ أَكْثَرُهُمْ وَكَأنَّ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَمْ يَسْمَعُوا بِقِصَّةِ تَمِيمٍ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَعِيدٌ جِدًّا إِذْ كَيْفَ يَلْتَئِمُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ شِبْهَ الْمُحْتَلِمِ، وَيَجْتَمِعُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِهَا شَيْخًا كَبِيرًا مَسْجُونًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ مُوثَقًا بِالْحَدِيدِ يَسْتَفْهِمُ عَنْ خَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ خَرَجَ أَوْ لَا؟ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ الِاطِّلَاعِ، أَمَّا عُمَرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ قِصَّةَ تَمِيمٍ، ثُمَّ لَمَّا سَمِعَهَا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْحَلِفِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا جَابِرٌ فَشَهِدَ حَلِفَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَصْحَبَ مَا كَانَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([64]).
  • قَالَ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمية: (الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ مِثْلُ حَالِ: عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئًا قَالَ : الدُّخُّ الدُّخُّ . وَقَدْ كَانَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك" يَعْنِي إنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ؛ وَالْكُهَّانُ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ الْقَرِينُ مِنْ الشَّيَاطِينِ يُخْبِرُهُ بِكَثِيرِ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنْ السَّمْعِ وَكَانُوا يَخْلِطُونَ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ)([65]).
  • قَالَ ابْنُ الأثير: ( الذي صَحَّ عِندَنا أَنَّهُ ليسَ الدَّجَّال، لما ذكرهُ في هذا الحديث، ولأنَّهُ توفي بالمدينةِ مُسلماً، ولحديثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ في الدَّجَّال وغيره مِن أشراطِ السَّاعة، فإنْ كانَ إسْلامُ ابْنِ صَيَّادٍ في حَياةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ صُحبَة، لِأنَّهُ رآهُ وخاطبه، وإنْ كانَ أسلمَ بعدَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا صُحبَة لَهُ. والْأَصَحّ أَنَّهُ أَسْلَمَ بعدَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأنَّ جماعةً مِن الصَّحَابةِ مِنْهُم عُمر وغيرهُ يظنُّونهُ الدَّجَّال، فلو أَسْلَمَ في حَياةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانْتَفَى هَذَا الظَّنّ)([66]).
  • قَالَ البرزنجي: (هُوَ صَافِي بنُ الصَّيّاد, أَوْ الصَّائِد وَمَوْلدهُ المدِيْنَة, هَذَا بِنَاءً عَلَى انَّ ابنَ الصَّيّادِ هُوَ الدَّجَّال, وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى أنَّ الْأَصَحَّ أنَّهُ غيره)([67]).
  • قَالَ الْحَافِظُ ابْن حَجَر - في اجتِهادِهِ لِلجَمْعِ بينَ الْأَحَادِيثِ والآرَاءِ لِمَا فِيهَا مِن اخْتِلَافٍ وَتَضَادٍّ-:( وَأَقْرَبُ مَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ مَا تَضَمَنَّهُ حَدِيثُ تَمِيمٍ وَكَوْنِ ابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ أَنَّ الدَّجَّالَ بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي شَاهَدَهُ تَمِيمٌ مُوَثَّقًا، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَى أَنْ تَوَجَّهَ إِلَى أَصْبَهَانَ فَاسْتَتَرَ مَعَ قَرِينِهِ إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا، وَلِشِدَّةِ الْتِبَاسِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ سَلَكَ الْبُخَارِيُّ مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ فِي ابْنِ صَيَّادٍ، وَلَمْ يُخْرِجْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ)([68]).



* القُوْلُ الفَصل في شأنِ ابْنِ الصيَّادِ هل هُوَ الدَّجَّال الأَكْبَر:

ü  تَبَيَّنَ لَنَا أنَّ عُمَرَ بْن الخطَّابِ, وَعَبْدَ اللهِ بْن عُمَرَ, وَجَابِرَ بْن عَبْدِ اللهِ, وَأَبا ذَرٍّ الغِفَارِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُم, قَطَعُوا بِأَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّال هُوَ ابْنُ الصيَّادِ, وَأُمّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَة رَضِيَ اللهُ عَنْها إذْ قَالَتْ:(مَا شَأْنُكَ وَشَأْنُهُ, أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ),  وَأنَّ أَبا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كانَ يَشكُّ أَنَّهُ ابْنُ الصَّيَّادِ.



ü  وَتَبَيَّنَ لَنَا أنَّ الْقُرْطُبِيّ, وَالنَّوَوِيّ في ظاهِرِ كَلامِهِ, وَالشُّوْكاني, وَابْن بَطَّال, وَغيْرهم - رَحِمَهم اللهُ -: رَجَّحُوا أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّال هُوَ ابْنُ الصيَّادِ. وَاحْتَجَّوا بِحلفِ عُمَرَ بْن الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وعدم انكارهِ عَليْهِ ذَلِك. وما مَضَى مِنْ مَواقِف الصَّحَابةِ المذكُورين سَابِقَاً.



ü  وَتَبَيَّنَ لَنَا أنَّ جُمْهُوْر العُلَمَاء ومنهم: ابْن كَثيرٍ, وَالْخَطَّابِيّ, وَابْن حَجَرٍ, وَالسَّفَارِيني, وَالْبَيْهَقِيُّ, وَابْن تَيْمية, وَابْن الأثير, وَالبرزنجي, قَالُوا: أنَّ ابنَ الصَّيَّادِ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّال الْأَكْبَر, وَأَنَّهُ كَانَ دَجَّالاً مِنَ الدَّجَاجِلَةِ, أوْ أَحَدَ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ, وَأَنَّهُ مِن السَّحرةِ أَوِ الكَهَنَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ فِتْنَةً ابْتَلَى اللهُ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ, وَامْتَحَنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحْتَجَّوا بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ.



ü  وَتَبَيَّنَ لَنَا أنَّ ابْنَ حَجَرٍ اجْتَهَدَ لِلجَمْعِ بينَ الْأَحَادِيثِ والآرَاءِ الْمُخْتَلِفةِ, فَقَالَ: أنَّ الدَّجَّالَ هُوَ الَّذِي شَاهَدَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ مُوَثَّقًا، وَأَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ شَيْطَانٌ تَبَدَّى فِي صُورَةِ الدَّجَّالِ إِلَى أَنْ تَجِيءَ الْمُدَّةُ الَّتِي قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى خُرُوجَهُ فِيهَا. أقولُ: وهذا جمعٌ بَعِيدٌ جداً؛ وَكَلامٌ لَا دَليلَ عليه, وَمُتَعَارِضٌ مع الصَّحِيْحِ؛ فَإنْ كانَ ابْنُ صَيَّادٍ شَيْطَاناً, فكيفَ عاشَ حَياةَ البَشَرِ بينَ الصَّحَابَةِ مِنْ صِغَرِهِ, وَهوَ من أبوين مِن البشرِ يهوديين. بَلْ وَتزوَّجَ هُوَ أيضاً وَأنْجبَ وَلَدين - عُمَارة والْوَلِيْد - وَهُمَا مِن رواةِ الحديثِ, وأخيارِ التَّابِعِينَ. وَسَبَقَ قَوْل الْبَيْهَقِيُّ: (إِذْ كَيْفَ يَلْتَئِمُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ شِبْهَ الْمُحْتَلِمِ، وَيَجْتَمِعُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِهَا شَيْخًا كَبِيرًا مَسْجُونًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ مُوثَقًا بِالْحَدِيدِ يَسْتَفْهِمُ عَنْ خَبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ خَرَجَ أَوْ لَا؟). وَمَا ذَكَرَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ أثرٌ لا يصحُّ أَبَداً: " الدَّجَّالُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَانٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ مُوثَقٌ بِسَبْعِينَ حَلْقَةٍ فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْيَمَنِ، لَا يَعْلَمُ مَنْ أَوْثَقَهُ سُلَيْمَانُ النَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِذَا آنَ ظُهُورُهُ فَكَّ اللهُ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ حَلْقَةً. فَإِذَا بَرَزَ أَتَتْهُ أَتَانُ عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَضَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْبَرًا مِنْ نُحَاسٍ وَيَقْعُدُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُهُ قَبَائِلُ الْجِنِّ يُخْرِجُونَ لَهُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ". وَقَدْ قالَ ابْن حَجَرٍ:( تَلَقَّوْا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ.... وهو موقوف عنهم، ولم أجد له شاهد). أقولُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّ ابْنَ الصَّيَّادِ رَجُلٌ مِن الإنْسِ وَلَيْسَ شَيْطَاناً مِن الجنِّ. وإنَّ الجَمْعَ غير ممكنٍ بينَ الدَّجَّالِ الَّذِي شَاهَدَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ وبينَ ابْنِ الصيَّادِ, فَالدَّجَّال أَحَدهُما. وَالتَّرجِيْحُ أَوْلَى مِن الجَمْعِ وَمُقَدَّمٌ عَلَيْه إذْ تَعَذّر الجَمْعُ فِي مِثلِ هَذِهِ الحالةِ؛ والتَّصريْح مُقَدَّمٌ على الشَّكِّ؛ إلا إنْ كَانَ أَحَد شَياطِين الدَّجَّال قَدْ تَلَبَّسَ بِابْنَ الصَّيَّادِ. واللهُ أعلم.



أقول: حُجَّة الْذيْنَ قَالُوا أَنَّ ابْنَ الصيَّادِ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّال الأَكْبَر هي الحُجَّة الرَّاجِحَة, وّذَلِكَ لِمَا يَلي:

  • لَيْسَ فِي عَدَمِ إنْكَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى حَلْفِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إلا أَنَّهُ كَانَ مُتَوَقِّفَاً في شَأنِهِ، شَاكَّاً في أمرِه, ثُمَّ جَاءَهُ الْبَيَانُ أَنَّهُ غَيْرَهُ بَعدَ ذَلِكَ, وَرآهُ في رؤيا وَشَبَّهَهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ, وَوَصَفَهُ وَصفَاً دَقِيْقاً مِنْ رأسِهِ إلى أخْمَصَيْهِ, وَجَاءَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ - في العَامِ التَّاسعِ مِن الهجْرَةِ - وَحَدَّثَهُ بِما وَافَقَ مَا أخْبَرَ بهِ الصَّحَابةَ عَنِ الدَّجَّالِ, وَلِذلِكَ لَمْ يَصِح عَنْهُ مَا يُفِيْدُ أَنَّ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّالُ, رَغمَ عَظَمَةِ فتنتهِ, بَلْ ثَبتَ شَكّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بادِئ الأمْرِ: حِيْنَ أرسلَ أَبَا ذَرٍّ الغِفَارِي إِلَى أُمِّهِ لِيَسْألهَا:" كَمْ حَمَلَتْ بِهِ, وَعَنْ صَيْحَتِهِ حِينَ وَقَعَ". وَحِيْنَ قَالَ لِعُمَر:"‏ فَإِنْ يَكُنْ الَّذِي تَخَافُ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ", وَفي قَوْلِ ابنِ عُمَر:" "فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْفِقاً أَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ".(وَقَدْ كَانَ لِلدَّجَّالِ فِي بَعْضِ عَلَامَاتِهِ مَا أَوْرَثَ ذَلِكَ فِيهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِشْفَاقًا مِنْهُ)([69]). إذنْ؛ فَيَمِيْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ مَبْنيّاً عَلَى أغلبِ الظنِّ, كما قرَّرَ الْمُحَقِّقُونَ, وَلِذَلكَ قَالوا بِجواز الحَلفِ بِمَا يَغلبُ عَلَيْه الظَّنّ, قالهُ ابنُ حَجَرٍ([70]).
  • أَمَّا جَابِرٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَحَلَفَ عَلَى مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَلفِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَلِذَلِكَ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ. وَإِنْ أَسْلَمَ. وَإِنْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ. مع أنَّهُ- أي جَابِرٌ - هُوَ الذي رَوى لَنا:" فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ" وَرَوى لَنا قوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّهِ: " قَاتَلَهَا اللهُ؟ لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ". وَقوْل جَابِرٍ:" فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا، فَيَعْلَمُ أَهُوَ هُوَ أَمْ لَا", وَفي كُلِّ هَذَا الدَّلِيْل الوَاضِح أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَرَدداً في أمرِه.
  • لَوْ جَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ أُوْحِيَ إليهِ: أَنَّ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّال لأخبَرَ بِهِ, ولو كان هُوَ الدَّجَّال لَمَا تَرَكهُ يَعِيْشُ بينَ صَحَابَتِهِ وَلَا يَكشفُ لَهُمْ سِرَّهُ؛ وَهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أدَّى الأمَانَةَ وَبَلَّغَ الرِّسَالةَ, وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَتَرَكَهَا عَلَى الْبَيْضَاء, وَحَمَلَ هَمَّ صَغِيِرهَا وَكَبِيْرِهَا, فِي شُؤونِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. كَيْفَ وَقَدْ أَخْبَرَ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ نَبِيّ مِنْ قَبْلِهِ؟! كَيْفَ وَقَدْ كَانَ مَوْقِفُ ابْنِ الصيَّادِ مع النَّبِيِّ شَدِيْدَاً, وَرَدُّهُ عَلَيْهِ عَنِيْفَاً: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟! وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يُشَبِّه الدَّجَّال بابنِ الصيَّادِ حِينَمَا أُوْحِيَ إليهِ بلْ شَبَّهَهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ. وَلَوْ كَانَ هُوَ الدَّجَّال لكانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجِيجَ الصَّحَابَةِ, وَلأَمَرَهم أنْ يَقْرَؤوا عليهِ أَوَّلِ عَشْرَ آيَاتٍ مَنْ سُورَةِ الْكَهْفِ. ثُمَّ أنَّهُ: هَلْ يُؤخِّرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ؟! هَذَا يُخالِفُ أُصولَ الأحكامِ: (لَا يُؤَخَّرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ)([71]). (لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ)([72]). قَالَ الآمِدِي: (تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِالْإِجْمَاعِ)([73]).



  • إنَّ ابْنَ الصيَّادِ وُلِدَ في الْمَدِينَةِ وَدَخَلَهَا- وَالْمَدِينَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الدَّجَّال - وكان رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ, وَأَسْلَمَ بعد ذلك- والدَّجَّال يَهُوْدِيّ - وَصَارَ اسمهُ: عَبْدُ اللهِ, وَحَجَّ أو اعتَمَرَ أي دَخَلَ مكَّةَ - وَمَكَّة مُحَرَّمَةٌ عَلَى الدَّجَّال -  وَوُلِدَ لَهُ, فَهُوَ ليسَ عَقِيماً كما هُوَ الدَّجَّال, وَغَزَا مَع الْمُسْلِمِيْن.
  • انَّ مِمَا أثَارَ الشُّبُهَاتِ حَوْلَهُ:

أ‌-               التَّوَافُقُ بين بعضِ أوْصَافهِ وَأَوْصَافِ الدَّجَّال. كَأَصلِهِ اليَهُودِيّ, وَعَيْنهُ, وَغَرَابَةِ أَحوَالهِ...(إِنَّ اتِّفَاقَ الْوَصْفَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ اتِّحَادُ الْمَوْصُوفَيْنِ)([74]). وَهُوَ لَا يَكْره أنْ يَكونَ الدَّجَّال لِشدَّةِ مَا كانَ يَسْمَعُ مِن النَّاسِ, وَقَدْ كَانَ يُدَافِعُ عَنْ نَفسِهِ بأنَّهُ لَيْسَ الدَّجَّال, ويحتجُّ بِمَا أَخْبَرَ بهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَا يُطَابِق أَحوَالَهُ. فَلمْ تَنْطَبِق عليه كُلّ الأوصَاف التي صَحَّتْ عن الدَّجَّال.

ب‌-         مَا كَانَ يَدَّعِيْه مِن الْكَهَانَةِ وَأُمُوْرِ الْغَيْبِ, كما في قَوْلِهِ: "يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ ", وَقَوْلِهِ: " الدُّخُّ", وَقَوْلِهِ: " وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّكَ خَبَراً حَقًّا وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ وَالِدَهُ وَأَعْرِفُ أَيْنَ هُوَ السَّاعَةَ مِنْ الْأَرْضِ". فَهوَ دَجَّالٌ حَتْمَاً؛ ولكنْ لَيْسَ الدَّجَّال الأَكْبَر, وَلِذَلِكَ قَالَ ابنُ تَيْمية: (وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ). فَشَتَّان مَا بينَ ابنِ الصيَّادِ وَبينَ الدَّجَّال الأكْبَر مِنْ حَيْثُ القُدرة, وَالإمِكَانيات, فَابنُ الصيَّادِ لا يُذْكَرُ بالْمُقارَنةِ معه, كما سَيَأتي عِندَ تَفْصِيْلِ فِتْنَتِهِ, وعَلى رأسِها ادِّعَاء الأُلُوهيَّة.

ت‌-         فُقِدَ ابنُ الصيَّادِ يَومَ وَقْعةِ الحَرَّة, وَهَذا مما زَادَ الشُّبْهةَ حَوْلَهُ. لَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ قَوْلًا, فكمْ مِنْ مَفْقوْدِين في الْمَعَاركِ لَا نَعرِفُ عَنْ أَخْبَارِهِمْ شَيْئَاً. وإنْ كانَ مَاتَ فَالدَّجَّال حيٌّ مَحبُوسٌ.



  • وَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّال, وَيُلْتَقِيه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَفِي نَفْسِ الوَقتِ يَسْأَلُ الدَّجَّال - بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ أخَرَجَ أمْ لمْ يَخَرَج بَعْدُ ؟!.  وَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّال وَهُوَ في الْمَدِينَةِ بينَ النَّاسِ, وَفِي نَفْسِ الوَقتِ يَكُونُ مُوثَقًا بِالْحَدِيدِ مَسْجُوناً فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ؟!. وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: مَا الذِي يَمْنَعُ أنْ يَخْرجَ ابْنُ الصيَّادِ في آخرِ الزَّمَانِ؟ نقولُ لهُ: كَيْفَ في زمن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ مَسْجُوناً فِي جَزِيرَتهِ؟!.وَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَ الصيَّادِ هُوَ الدَّجَّال وَهُوَ يَعرِفُ أخبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي نَفْسِ الوَقتِ يَسْأَلُ الدَّجَّال: " أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟! قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟! فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَرَبِ"([75]).  وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: (وَكَأنَّ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَمْ يَسْمَعُوا بِقِصَّةِ تَمِيمٍ)([76]).
  • ثُمَّ لَا يَغيبُ عَنْ بَالِنا أَبَدَاً: أنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ بَعدَ ظُهُوْرِ الْمَهْدِيِّ, وَالْمَهْدِيُّ لَيْسَ في زمن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَسَأُفْرِدُ لهُ بَحثَاً لَاحِقاً تَفْصِيليَّاً, إنْ شَاءَ اللهُ بَعدَ أنْ أفرغَ من الدَّجَّال.



الخُلاصَة: مِمِا سبقَ :أَنَّ الدَّجَّالَ الأكْبَرَ غَيْرُ ابْنِ الصَّيَّادِ قَطْعاً, وَالأدِلةُ تَدُلُّ على أنَّ الدَّجَّالَ هُوَ الذِي شُوْهِدَ في حَدِيْثِ الْجَسَّاسَةِ, وَهُوَ حَيٌّ مُقيَّدٌ في جَزيرةِ, لمْ يَخرج بَعد, وَهذَا مَا يَقُوْدُنَا لِحَدِيْثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ؛ كَيْ نَعلَمَ مَنْ هُوَ الدَّجَّالَ.



تَنْبِيْه: قَدْ يَقُولُ قائِلٌ أَنَّ مَعرِفةَ حَقِيْقَةِ ابْنَ الصيَّادِ أَهُوَ الدَّجَّال أمْ لَا مِن العِلْمِ الذِي لَا يَضُرُّ الجَهْلُ بِهِ, وَسَوَاء أَكَانَ هُوَ أَمْ غَيْره فَقَد مَضَى أَمْرُهُ، وَنَحنُ بِانْتِظارِ الدَّجَّال. فأقول: ذلك من استعدادنا لِما هو قَادِم، وَالمعرِفَةُ تُزيل الغُمَّةَ, وَتُذْهِبُ الشَّكَّ, وَتَبْعَثُ على التحرِّي لاجتنابِ الوقوعِ بالزَّلَلِ. وإنْ كَانَ يُمْكِنُ أنْ أعلمَ فَلِماذا أجهل؟! وإنْ كَانَ يُمكِنُ أنْ اتَحققَ بِمَا صحَّ عنْ رَسُوْلِنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأصِلَ بَعدَ التَّدقيقِ إلى نَتِيْجةٍ, فَلِماذا لَا أحرِصُ على ذَلِك؟! وَلِمَاذا يُتْرَكُ الاختِلاف, والحُجَّةُ مَعَ الطَّرَفِ الأَقْوُى الذِي يَعضُدهُ الدَّلِيْل الأَقْوُى.






وإلى لقاءٍ مَع الجُزْء الْخَامِسِ: الدَّجَّال, وَحَدِيْث الْجَسَّاسَة ....قريباً إن شاء الله.

د. ناصر السخني





 ([1])  البداية والنهاية لابن كثير(ص 204).
 ([2])  البصائر والذخائر  لأبي حيان التوحيدي(1/348).
 ([3])  لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لمحمد السفاريني الحنبلي(2/ 87).
([4])  رواهُ أحمد في مسندهِ (5/40 حديث 20434) و (5/49 حديث 20521) و (5/51 حديث 20539), وضعَّفَهُ شعيب الأرنؤوط وقال: إسنادهُ ضعيف. وراوهُ ابن اسحاق في الفتن(9 و 39). والبزار في البحر الزخار(3628). وابن قدامة المقدسي في أخبار الدجال(14 و 15). وأبو داود الطيالسي في مسندهِ(906). ورواهُ الترمذي في سننهِ, وضعَّفَهُ الألباني قال في ضعيف سنن الترمذي(2248), وابن أبي شيبة في مصنفهِ(37791). وأوردهُ ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح(5/146), وضعَّفَهُ الألباني قال في تخريج مشكاة المصابيح(5433), وقال ابن حجر في فتح الباري(13/338): واهٍ. وضعَّفَهُ المباركفوري في تحفة الأحوذي(6/118), وقال ابن كثير في نهاية البداية والنهاية(1/156): منكرٌ جداً. وضعَّفَهُ السيوطي في الجامع الصغير, وضعَّفَهُ الألباني في صحيح الجامع (6445). أقول: وعلَّة السند - بلا خلاف - علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان: شيعي ضعيف الحديث. والله أعلم.
([5])  أسد الغابة لابن الاثير(3/186).
([6])  البداية والنهاية لابن كثير (19/205).
([7])  تهذيب التهذيب لابن حجر  (7/419).
([8])  تجريد أسماء الصحابة, كما نقل ابن حجرٍ في الإصابة (5/195).
([9])  الإصابة في تميز الصحابة لابن حجر العسقلاني (5/ 192- 194).
([10])  رسالة الصاهل والشاجح لأبي العلاء المعري(100).
([11])  تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري(1/19).
([12])  عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني(8/170).
([13])  تهذيب الكمال للمزي(1735). وخلافة مروان بن محمد127 – 132 هـ, وهو آخر الخلفاء الأمويين.
([14])  رواهُ أحمد في مسندهِ (3/388 حديث 15204), وصححهُ شعيب الأرنؤوط.
([15])  رواهُ مسلم في صحيحهِ (2925).
 ([16])  سورة الدخان/10.
 ([17]) متفق عليه: رواهُ البخاري في صحيحهِ (3055). ومسلم في صحيحهِ (2930). و رواهُ أبو داود في سننهِ (4329), وسكتَ عنهُ, وصححهُ الألباني في صحيح أبي داود(4329), وقال عنهُ العراقي في التقييد والإيضاح (276): ثابتٌ صحيح, وقال البوصيري في اتحاف الخيرة المهرة(8/124): رواتهُ ثقات.
 ([18])  فَلَسْتَ صَاحِبَهُ: (أَيْ : صَاحِبَ قَتْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ هَلَاكِهِ). كما في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري ( 3493).
 ([19])  رواهُ ومسلم في صحيحهِ (2924).
 ([20])  رواهُ أحمد في مسندهِ (3/368 حديث 14998), وصححهُ شعيب الأرنؤوط وقال: صحيحُ على شرط مسلم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/6): رجالهُ رجال الصحيح. وقال ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح (5/147): إسنادهُ جيد.
 ([21])  متفق عليه: رواهُ البخاري في صحيحهِ (1354 و 2638 و3033 و3056 و 6173). ومسلم (2931).
 ([22])  فَأَشْفَقَ: (أَيْ خَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ  الدَّجَّالَ). كما في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري ( 3492).
 ([23])  رواهُ أحمد في مسندهِ (3/368 حديث 14998), وصححهُ شعيب الأرنؤوط وقال: صحيحُ على شرط مسلم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/6): رجالهُ رجال الصحيح. وقال ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح (5/147): إسنادهُ جيد.
 ([24])  سبق تخريجهُ في الحديث السابق.
 ([25])  رواهُ البخاري في صحيحهِ (7355). وأبو داود في سننهِ(4331), وسكتَ عنهُ, وصححهُ الألباني في صحيح أبي داود(4331). وقال أبو نعيم في حلية الأولياء(3/180): متفق عليه.
 ([26])  رواهُ الطبراني في الأوسط(8746).
 ([27])  رواهُ أحمد في مسندهِ (5/148 حديث 21357), وقال الأرنؤوط: حديث منكر وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحارث بن حصيرة. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(8/5): رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة‏.‏ والطحاوي في مشكل الآثار(2859). وعمر بن شبه في أخبار المدينة(2/402). والبزار في البحر(3983). والطبراني في الأوسط (8746).  وقال ابن حجر في الأسئلة الفائقة (1/34): إسنادهُ صحيح. وقال فتح الباري(13/341): إسنادهُ صحيح. أقول: الحارث بن حصيرة الازدي هو ابو نعمان الكوفي: وثَّقَهُ يحيى بن معين, والنسائي, والعجلي، وابن شاهين، وابن نُمير، وذكره ابن حبان في  الثقات, وقال ابو داود: شيعي صدوق. وللحديثِ شواهده.
 ([28])  رواهُ الطبراني في الأوسط(8746). وابن أبي شيبة في مصنفه(38640).
 ([29])  رواهُ أبو داود في سننهِ (4330), وسكتَ عنهُ, وصححهُ الألباني في صحيح أبي داود(4329). وصححهُ القرطبي في التذكرة(688). وصححهُ النووي في شرح مسلم(18/47). وصححهُ المناوي في تخريج أحاديث(4/534). وصححهُ ابن حجر في تخريج المشكاة(5/145). وفي فتح الباري(13/337). والعيني في عمدة القاري(8/248). وصححهُ السفاريني في شرح ثلاثيات المسند(2/422). وصححهُ الألباني في تخريج المشكاة(5431) وقال: على شرط البخاري ومسلم.
 ([30])  رواهُ الترمذي في سننهِ(2246) وصححهُ. وصححهُ الألباني في صحيح الترمذي(2246).
 ([31])  سبق تخريجه من رواية الترمذي السابقة.       
 ([32])  فَلَبَسَنِي أَيْ : جَعَلَنِي أَلْتَبِسُ فِي أَمْرِهِ ، وَأَشُكُّ فِيهِ. شرح مسلم للنووي(366).وَقالَ الْقَارِي يَعْنِي حَيْثُ قَالَ: أَوَّلًا أَنَا مُسْلِمٌ ثُمَّ ادَّعَى الْغَيْبَ بِقَوْلِهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ ، وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَ الْغَيْبِ فَقَدْ كَفَرَ فَالْتَبَسَ عَلَيَّ إِسْلَامُهُ وَكُفْرُهُ. تحفة الأحوذي للمباركفوري(428).
 ([33])  رواهُ مسلم في صحيحهِ (2927).
 ([34])  رواهُ الطبراني في مسند الشاميين(3088), وصححهُ البوصيري في اتحاف الخيرة المهرة(8/124). وصححهُ الشوكاني في نيل الأوطار(8/18).
 ([35])  سبق تخريجه من رواية الطبراني السابقة.                                                                
 ([36])  سبق تخريجه من رواية الطبراني السابقة.
 ([37])  رواهُ أحمد في مسندهِ (6/284 حديث 26469 و26470 و26471), وقال الأرنؤوط: إسنادهُ صحيح على شرط الشيخين.
 ([38])  سبق تخريجه من رواية الطبراني السابقة.
 ([39])  رواهُ مسلم في صحيحهِ (2932).
 ([40])  رواهُ أحمد في مسندهِ (6/283 حديث 26468), وقال الأرنؤوط: إسنادهُ صحيح على شرط مسلم.
 ([41])  سبق تخريجه من رواية أحمد السابقة.
 ([42])  رواهُ مسلم في صحيحهِ (2932). وصححهُ السوطي في الجامع الصغير, والألباني في صحيح الجامع(238).
 ([43])  يوم الحرة: وقعة وقعت في 63ه, حيث ثار أهل المدينةِ على عامل الخليفة يزيد بن معاوية, فأرسل يزيد إليهم مسلم بن عقبة على رأسِ جيشٍ فدخل المدينة وأنهى الثورة. ويومها مات ابن الصيَّاد. وقد ضعَّف ابن حجر القول بأنه مات في المدينة, وأنهم كشفوا عن وجهه وصلوا عليه. كما في فتح الباري(13/329).
 ([44])  رواهُ أبو داود في سننهِ (4332), وسكتَ عنهُ, وصححهُ الألباني في صحيح أبي داود(4332). وصححهُ النووي في شرح مسلم(18/47). وصححهُ ابن حجر في الأسئلة الفائقة (1/37), وفي فتح الباري (13/339), وفي تخريج المشكاة, وصححهُ الألباني في تخريج المشكاة(5432). وفي تهذيب التهذيب (7/419). والعيني في عمدة القاري(8/248). وصححهُ السفاريني في شرح ثلاثيات المسند(2/426). وصححهُ الشوكاني في نيل الأوطار(8/21). وصححهُ المباركفوري في تحفة الأحوذي(6/116). أقولُ: وهذا الصحيح أنه فقد في الحرة, وليس ما روي عن محمد بن كعب القرظي، قال: كنا بالأهواز، فقيل: مات ابن صائد، فَأَخْرَجَ بنوه بنعش لا يُدْرَى ما فيه. الطبقات(6/565).
 ([45])  رواهُ أبو داود في سننهِ, وسكتَ عنهُ, وضعَّفهُ الألباني في ضعيف أبي داود(4332). وَحٍسنهُ ابن حجر في فتح الباري(13/341). وقال ابن كثير في نهاية البداية والنهاية(1/101): غريب جداً. قال المنذري: في إسناده عثمان بن عبد الرحمن القرشي مولاه الحراني المعروف بالطرائفي، قيل له ذلك لأنه كان يتبع طرائف الحديث. قال ابن نُمير: كذَّاب. وقال أبو عروبة: عنده عجائب. وقال ابن حبان البستي: لا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حال من الأحوال. وقال إسحاق بن منصور: ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. وأنكر على البخاري إدخال اسمه في كتاب الضعفاء وقال: يحول منه. عون المعبود, كتاب الملاحم, باب في خبر الجساسة(366).  أقول: وهذا الخبر - على افتراض صحتهِ - فهو مذهب جابر الذي ثبت عنهُ أنه حلف بالله ان ابن الصياد هو الدجال, وانه سمع عمر يحلف على ذلك عند النبي. ولكن الذي يُنكر أن يكون جابر أحد رواة حديث الجساسة - من هذا الخبر - الثابت عند مسلم وغيره. وانهُ ما يزال مؤكِّداً أن ابن الصياد هو الدجال.
 ([46])  رواهُ أحمد في مسندهِ (1/195 حديث 1693), وقال الأرنؤوط: إسنادهُ ضعيف, وقال ابن كثير في البداية : في إسناده غرابة. ورواهُ أبو داود في سننهِ, وسكتَ عنهُ, وضعفهُ الألباني في ضعيف أبي داود(4756). ورواهُ الترمذي في سننهِ, وقال: حسن غريب. وضعفهُ الألباني في ضعيف الترمذي(2224). ورواهُ ابن حبان في صحيحهِ(15/181 حديث 6778). وقال الأرنؤوط: إسنادهُ ضعيف. ورواهُ الحاكم في مستدركهِ, وسكت عنه الذهبي في التلخيص(4/585 حديث 8630). ورواهُ ابن ابي شيبة في مصنفهِ(37786). وضعفهُ العقيلي في الضعفاء الكبير(2/264). وضعفهُ ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ(2/1004). وضعفهُ ابن عربي في عارضة الأحوذي(5/75). وضعفهُ المناوي في تخريج احاديث المصابيح(4/525). وضعفهُ الألباني في تخريج المشكاة. أقول: ومن عجبي ما وجدتهُ من تصحيح اسنادهِ عند أحمد شاكر في مسند أحمد(3/147), مخالفاً بذلك البخاري وكل من قال بعدم سماعِ عبد الله بن سراقة من ابي عبيدة. واحتجاج البرزنجي بهِ في الإشاعة لأشراط الساعة للبرزنجي(189). أقول: وعلى افتراض صحتهِ - وهو غير صحيح - فيكون ذلك كما قال ابن كثير في البداية:( لعل ذلك قبلَ ان يبينَ له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين له ثاني الحال).
 ([47]) رواهُ أحمد في مسندهِ (4/444 حديث 20007), وقال الأرنؤوط: إسنادهُ ضعيف. ورواهُ البزار(3382). والطبراني في الأوسط(8375). وضعفهُ الهيثمي في مجمع الزوائد(8/5). وضعفهُ الألباني في السلسلة الضعيفة(9/302 حديث 4313). أقول: وعلة الحديث ليست ضعف علي بن زيد(ابن جدعان) فقط, بل فيه عنعنة الحسن البصري أيضاً.
 ([48])  رواهُ الحاكم في مستدركهِ(4/581 حديث 8621) وقال: هذا أعجب حديث في ذكر الدجال تفرد به عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري ولم يحتج الشيخان بعطية. قال الذهبي في التلخيص: عطية ضعيف.
 ([49])  أخرجهُ أبو نعيم الاصبهاني في تاريخ أصبهان(1/43 و 340). وأخرجهُ يوسف المقدسي صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر(352), وقال: أخرجه الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، في كتاب الملاحم. وأوردهُ الحافظ ابن حجر في فتح الباري(13/327), وقال: وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات. ونقل ذلك الشوكاني في نيل الأوطار(8/21). أقولُ: الإسناد موقوف ضعيف فيه مجهول.
([50])  رواهُ مسلم في صحيحهِ (2942). وصححهُ السوطي في الجامع الصغير, والألباني في صحيح الجامع(7889). وأبو داود في سننهِ, وسكتَ عنهُ, وصححهُ الألباني في صحيح أبي داود(4326).
([51])  رُويَ برواياتٍ صحيحةٍ كثيرة منها: رواهُ أحمد في مسندهِ (1/240 حديث 2148 وغيره), وصححَ رواياتهُ أحمد شاكر في مسند أحمد (4/307 و 7/79 و 7/263 و 8/209 و 9/166), وصححها شعيب الأرنؤوط. ورواهُ البخاري في صحيحهِ(7182 و 3441 و7026), ومسلم في صحيحهِ(169 و 171 و2937), وابن ماجه في سننهِ, وصححهُ الألباني في صحيح ابن ماجه(3310), وصححهُ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/351), وصححهُ ابن كثير في البداية والنهاية(1/159), وصححهُ ابن عبد البر في الاستذكار, وصححهُ البوصيري في اتحاف الخيرة المهرة(3/131), وصححهُ الوادعي في الصحيح المسند(1071), وصححهُ السيوطي في الجامع الصغير, وصححهُ الألباني في صحيح الجامع (2868 و 4166), وصححهُ الألباني في قصة المسيح الدجال وقال: صحيح على شرط مسلم.
 ([52])  متفق عليه: رواهُ البخاري في صحيحهِ عن عائشة (3210 و 3288 و 5762 و 6213 و 7561). ومسلم (2228). والطبراني في الأوسط(8798), والسيوطي في الجامع الصغير, وصححهُ الألباني في صحيح الجامع(1955), وفي شرح الطحاوية(502). ورواهُ البخاري في صحيحهِ عن أبي هريرة (4701 و 4800 و 7481). وابن خُزيمة في التوحيد(1/355). والترمذي في سننهِ, وصححهُ الألباني في صحيح الترمذي(3223).  وابن ماجه في سننهِ, وصححهُ الألباني في صحيح ابن ماجه(161). والسيوطي في الجامع الصغير, وصححهُ الألباني في صحيح الجامع(724), وفي مختصر العلو(77).
([53])  ابنهُ الأول: عمارة بن عبد الله بن صياد الانصاري، أبو أيوب المدني: روى عن جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار. وعنه الضحاك ابن عثمان الحزامي، وإمام دار الهجرة مالك بن انس، ومحمد بن معـن الغفاري، والوليد بن كثير المدني. قال عنه ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وكان مالك بن انس، لا يقدم عليه في الفضل أحدًا.  ذكره ابن حبان في الثقات، والبخاري في التاريخ الكبير. روى له الترمذي وابن ماجه، حديثًا واحدًا في الأضحية. مات في خلافة مروان بن محمد. تهذيب التهذيب لابن حجر  (7/419). ابنهُ الثاني: الوليد بن عبد الله بن صياد المدني:  روى عن المطلب بن حنطب، وروى عنه مالك بن أنس، ولم يقع ذكره في تاريخ البخاري، ولا في كتاب ابن أبي حاتم، ولكن ذكره ابن حبان، في الطبقة الثالثة من الثقات. كما في تعجيل المنفعة(1/437).
 ([54])  التذكرة للقرطبي(5/19).
 ([55])  شرح مسلم للنووي(18/46).
 ([56])  نيل الأوطار للشوكاني(7/239-240).
 ([57])  النهاية في الفتن(1/55).
([58])  البداية والنهاية لابن كثير (19/205).
 ([59])  جامع الأصول لابن الأثير(10/363). والتذكرة للقرطبي(5/18).
 ([60])  فتح الباري لابن حجر(13/339-340).
 ([61])  لوامع الأنوار للسفاريني(2/109).
 ([62])  لوامع الأنوار للسفاريني(2/108-109).
 ([63])  كما في شرح مسلم للنووي(18/47). وتحفة الأحوذي للمباركفوري كتاب الفتن(427).
 ([64])  كما في فتح الباري لابن حجر(13/339). وفي عون المعبود للعظيم ابادي(371). وفي لوامع الأنوار للسفاريني(112).
 ([65])  مجموع الفتاوى لابن تيمية(11/283).
 ([66])  أسد الغابة لابن الأثير(3/187).
 ([67])  الإشاعة لأشراط الساعة للبرزنجي(189).
 ([68])  فتح الباري لابن حجر(13/340).
 ([69])  مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري ( 3493).
 ([70])  فتح الباري لابن حجر(13/341).
 ([71])  شرح الكوكب المنير لابي البقاء الفتوحي(2/240).
 ([72])  البحر المحيط للزركشي(5/107).
 ([73])  الإحكام في أصول الأحكام للآمدي(1/189). وانظر: شرح التلويح على التوضيح(2/412). وفي المحصول للرازي(3/187). وفي اللمع(1/159). وفي المنخول(1/128). وفي المستطفي(1/483).
 ([74])  مرقاة المفاتيح لعلي القاري ( 3493).
 ([75])  رواهُ مسلم في صحيحهِ (2942).
 ([76]) فتح الباري لابن حجر(13/339).

هناك تعليق واحد:

  1. أخي العزيز د. ناصر
    السلام عليكم ورحمته الله وعونه وتايده وبركاته
    لقد طاعلت اليوم ما يبدع قلمك في الاجزاء الاربعة في رسالتك عن الدجال وما جذبني طريقتك الباهرة للجمع بين توأمين: هما النقل والعقل
    وانني بلهفة لما ستصل اليه من نتائج وتخرجنا من حجرية الاحاديث المدسوسة والعقولة المنحوسة
    وسوف اخذ عنك وانا مغمض العينين لانني وجدتك تحتج بالصيح المأثور وبالعقل والنور
    فلا تتاخر علينا اعانك الله وسدد خطاك
    جزاك الله عن امتنا خيرا
    د. محمد المومني

    ردحذف