28‏/11‏/2015

تَربِيَة النَّفس فِي تَربيةِ القَلْبِ واللِّسان .... تسنيم ناصر السخني

بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم
     الحَمدُ لِلحنَّانِ الَّذي عَمَّ الخَلائِق رَأْفَةً وحَنانَاً، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَولا أنْ هَدَانا، وبِهَيبَتِهِ وَلُطفِهِ تَولَّانا، وَبِجودِهِ وكَرَمهِ غَفَرَ الكَثير مِنْ معَاصِينا وَخَطَايانا، شَرَعَ لَنا مِنَ الدِّينِ مَا بِهِ رَحمَةً وأمانا، وَقُلُوبنا لَيْسَتْ بِأيدِينَا وَإِنْ أطعنَا الهَوَى أهلَكَنَا وَأَرْدَانَا، لَكِن حُلم الحَلِيم أمَهَلَنَا وَسِتْرَ السَتَّار غَطَّانا.
أَمَّا بَعد،



قَالَ تَعَالى: }يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ  سَلِيمٍ}.([1])، وَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ".([2])
وقَالَ تَعَالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.([3]).
وَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عِندَما سَألَهُ مُعاذ بنُ جبَل قائِلاً: وإنَّا لَمُؤاخّذُونَ بِمَا نَتَكلَّم بِهِ يَا رَسُول الله؟! فَأَجَابَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَائِلاً: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".([4])
إذَاً فَالقَلب واللِّسَان مَسْؤُولان، وَصَدَق مَنْ قَال: (المَرْءُ بِأَصغَرَيْهِ، قَلبِهِ وَلِسَانِهِ).

الْقَلبْ
     إنَّ القَلبَ هَو مَلِك الجَسَد والجَوَارِح وَهوَ مَحَل العِلم والمَعرِفَة، ولِلقَلبِ عَدُوّ قَدِيم لَدُود، ذُو مَكْرِ وَكيدٍ وحِيلَة، هَذَا العَدُوّ هُوَ الشَّيطَان. وَقَد أَخبَرَنَا (الله) تَعَالى فِي قَولِهِ: }إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}.([5]) كَمَا أنّ القَلْب يَمرَض، ومَرَض القَلب هُوَ خُروجِه عَن حَدّ الاعتِدَال وفُقدهِ لِوَظِيفَتِهِ التِي خُلِقَ لَهَا، ألَا وَهيَ: مَعرِفَة الله تَباركَ وَتَعَالى والعِلم بِصِفاتِهِ، والسَّعي لِمَرضاتِهِ، والتَّشوّق للِقائِهِ والسَّيطرَة عَلَى جُنودِه التي سَخَّرهَا الله لهُ مِن: جَوارح، وأعضَاء، وحَواس، وشَهَوَات، واستِخدامهَا فيما خُلِقَت لَه، وَمِن أمرَاض القَلْبْ:

أولاً: الغَضَبْ:
     الغَضَبْ شَهوَةٌ مَحَلّها القَلب وَهِيَ تَعنِي غَلَيَان الدَّم فِيهِ وَذَلِكَ لِأنَّ الغَضَب مَخْلُوقٌ مِن النَّار، عُجِنَتْ هَذِهِ النَّار بِالطِّين حَتَّى يَتَمَكَّن  الجِّسم مِنْ احتِمَالِها وعِندَمَا يَغْلِي الدّم يَنْدَفِع إِلَى أَعْلَى البَدَنْ، لِحمَرّ الْوَجه وَتَنْتَفِخ الأَوْدَاج وَتَحمرّ العَيْنَان، وقَد بَيَّنَ الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- ذَلِكَ وَشَرَحَ العِلاج:
1- تغيير وضعية الجسم: "إنَّ الغَضَبَ جَمرَة تُوقَد فِي القَلب, أَلَمْ تَرَوْا إِلى انتِفَاخِ أوْدَاجِهِ وحُمرَة عينَيْهِ فَإذَا وَجَدَ أَحَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيئَاً: فَإِنْ كَانَ قائِمَاً فَلْيَجْلِسْ، وإِنْ كَانَ جَالِسَاً فَلْيَنَمْ".([6])
2- الإستعاذة من الشيطان الرجيم: "إني أعلم كلمة لو قالها لزال عنه الغضب".([7])
3- الوضوء: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".([8]) "فَإِنْ لَمْ يَذَهب عَنْهُ الْغَضَب فَلْيَتَوَضَّأ بِالمَاءِ البَارِدِ أَوْ يَغْتَسِل فَإنَّ النَّارَ لا يُطْفِئُهَا إِلَّا المَاء".([9]).

وَعِلاج الغَضَب يَكُونُ بِمَا يَلِي:
1. أَنْ يَعلَم الإِنْسَان أَنَّ وَطَنَهُ القَبْر.
2. أَنْ يَرَى الأَشْيَاء كُلِّهَا بِيَدِ الله.
3. أَنْ يُحْسِن الظَّنَّ بِاللهِ وأَنَّ الخِيرَة فِيمَا اختَارَهُ الله.
4. أَنْ يَتَفَكَّر فِي عَاقِبَة الغَضَب.
5. أَنْ يَتَذَكَّر قُدْرَةُ اللهِ عَلَيْهِ.
6. أَنْ يَعْلَم أَنَّ مَا أغْضَبَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ عَلَى غَيْر مرادِهِ فَإنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلى مراد الله فَلَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُفَضِّل نَفاذ مرادِهِ عَلَى نَفَاذ مرَاد الله، بَلْ يَقُول: (قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلْ).
7. أَنْ يَسْتَحضِر صُورَة الغَاضِب فِي ذهنِهِ وَيُقَارِنهَا بِصُورَة الصَّالِحِين وَهُدُوء نُفُوسهم وَحُسن سِماتهم وكما بَيَّنَ الرَّسُول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- ذَلِكَ: "ليسَ الشديدُ بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".([10])
8. أَنْ يَتَذَكَّر فَضْلَ كَظْم الغَيْظ وفَضْل العَفُو والرِّفق مُتَذَكِّرَاً قَوَلهُ تَعَالَى: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.([11]).
9. أَنْ يَتَذَكَّر وَصِيّة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فِي مُقَاومَة الغَضَب كَمَا وَرَدَ فِي الحَديثِ السَّابِق.

ثَانِيَاً: الحِقْد:
     هُوَ امتِلاء القَلْب بِالبَغْضَاء والكَرَاهِيَة نَتِيجَة الإفْراط فِي شهوَة الغَضَب وَعِلاج الحِقْد أنْ يُحْسِن مَن اسْتَشْعَر الحِقْد فِي قَلْبِه إِلى مَنْ حَقَدَ عَلَيْهِ عَمَلاً، يَقُول الحَق تَبَارَكَ وَتَعَالَى: }وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.([12]). وَهَذَا تَصَرّف الصِّدِيقين.

ثَالِثَاً: الحَسَدْ:
     هُوَ كَرَاهَة النِّعمَة عِنْد الغَيْر وَتَمَنِّي زَوَالَهَا عَنْهُ وَقَد نَهَانا الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- عَنِ الحَسَدِ بِقَولِهِ: (إنَّ الحَسَدَ يَأْكُلُ الحَسَنَات كَمَا تَأْكُلُ النَّار الحَطَبْ).
وَعِلاج الحَسَد يَكُونُ بِمَا يَلِي :
1. أَنْ يَعْلَمَ أنَّ زَوَال النِّعْمَة عَنْ أَخِيهِ أَمرٌ خَارِجٌ عَنْ إِرَادَتِهِ لِقَولِ اللهِ -عَزَّ وجَلْ-: }مَا يَفْتَح اللَّه لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلَا مُمْسِك لَهَا}.([13]).
2. أَنْ يَعْلَمَ أنَّ الحَسَد مَعصِيَة سَوَاء بَقِيَ فِي القَلب أم دَفَعَ إِلى أَقْوَال وأَفْعَال فَكُلّ حَاسِدٍ آثِم.
3. أَنْ يَعْلَمَ أنَّ حُبَّه لِأَخِيهِ الَّذِي رَأَى النِّعْمَة عَلَيْهِ يَجْعَلَهُ يُشَارِكُهُ فِي الخَيْر.
4. الدُّعَاء لِكُلِّ مَنْ يُرَى عَلَيْهِ نِعمَةٌ قَدْ يُحْسَد عَلَيْهَا كَمَا أَوصَانا الرَّسول بِقَوْلِهِ: (ألَا بَرَّكت).

رَابِعَاً: البُخْل وحُبّ المَال:
     وَهُوَ الامْتِنَاعِ عَنْ إِنْفَاقِ المَال فِيمَا يَجِب. قَالَ تَعَالَى: }الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.([14]).
وَالعِلاج يَكُونُ بِمَا يَلِي :
1. اسْتِغْلَال العَقِل فِي السَّيْطَرَة عَلَى الشَّهَوَات.
2. أَنْ يَتَذَكَّر أَنَّ المَوْتَ نِهَايَةَ كُلّ حَيّ.
3. إِنْ كَانَ يَخْشَى الفَاقَة فِي المُسْتَقْبَل فَلْيَتَذَكَّر قَوْلَهُ تَعَالَى: }وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.([15]).
4. إِذَا كَانَ حُبّ المَالِ مِنْ أَجلِ المَال فَلا بُدَّ مِنْ تَوْبَة ولِيَعْلَمَ أنَّهُ لَن يَشْبَعَ مِنْ هَذَا المَال مَهْمَا جَمَع. قَالَ الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: (لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَاً مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى أَنْ يَكُون لَهُ وَادِيَان ولَوْ كَانَ لَهُ وادِيَان لَتَمَنَّى أَنْ يَكُون لَهُ ثَلاثَة وَلَا يَمْلَأُ جَوف ابْن آدَم إِلَّا التُّرَاب وَلِيَتُوبَ اللهُ عَلَى مَنْ تَاب).

خَامِسَاً: حُبّ الْجَاه:
     وَهُوَ حُبّ الاشْتِهَار، وَذُيُوع الصَّيْت، وَحُبّ الْجَاه أَشَدّ خَطَرَاً مِنْ حُبِّ المَال؛ وذَلِكَ لِأَنَّ حُبّ الْجَاه يَقُود الإِنْسَان إِلَى التَّوَدُّد لِلْخَلْقِ حَتَّى يَمْتَلِك قُلُوبَهُم طَوْعَاً فَيُصْبِحُ الأَحْرَارَ عَبِيدَاً لَهُم فَيِصرِفُهُ ذَلِكَ عَنِ التَوَدُّد لِلْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَعِلاج حُبِّ الْجَاه يَكُونُ بِمَا يَلِي :
1. العِلْم بِأَنَّ الجَاه الحَقِيقِي عِنْدَ الله وَهُوَ المَالِكُ لِقُلوبِ العِبَاد القَادِرُ عَلَى غَرْسِ مَحَبَّتِكَ فِيهَا. قَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: يَا جِبرِيل إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ).
2.العِلْم بِأَنَّ الجَاه عَرْضٌ زَائِلٌ لَيْسَ مِنَ البَاقِيَات الصَّالِحَات.
3.العِلْم بِأَنَّ صَاحِبَ الجَاه مُعَرَّضٌ لِلحَسَدْ والحِقْد والكَرَاهِيَة وَكَبت حُرّيَّتهُ الشَّخصيَّة.
4.العِلْم بِأَنَّ السَّعِي لِلجَاهَ مَدْعَاةً للمراءَة والنِّفَاق وَالكَذِب والادِّعَاءْ.
5.العِلْم بِأَنَّ حُبَّ الجَاه قَدْ يُعَرِّض الإِنْسَانَ لِأَنْ يَشْتَرِي الدُّنْيَا بِالآخِرَة.
6.قَطْع الطَّمَع فِيمَا عِنْد النَّاسِ والطَّمَع فِيمَا عِندِ اللهِ.
7.كَسْب القُوت بِعَمَلِ اليَدَينِ ولَيْسَ بادِّعاءِ الدِّين والتَّقْوَى.
8.ابْتِغَاء وَجه الله الكَرِيم بِالعِبَادَة والتَّقْوَى وَالعَمَل الصَّالِح.
9.إخْفَاء الأَعْمَال الصَّالِحَة مِن النَّوَافِلِ قَدَرَ الإِمْكَان.


سَادِسَاً: الرّيَاء:
     هُوَ شِرْكٌ خَفِيّ وَهُوَ طَلَب لِمَنزِلَة فِي قُلُوبِ النَّاسِ بِالعِبَادَة قَاصِدَاً الخَلَائِق وَلَيْسَ الخَالِق. قَالَ تَعَالَى: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}.([16]).
وَعِلاج الرّيَاء يَكُونُ بِمَا يَلِي :
1. مُراقَبَة النَّفس مُرَاقَبَة شَدِيدَة كَمَا لَوْ كَان يُرَاقِبُ عَدُوَّاً يَتَرَبَّصْ بِهِ. قَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (أَعْدَى أَعْدَائُكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ).
2. العِلْم بِأَنَّ مَدْحَ النَّاس أَوْ ذَمَّهُم لا يُفِيد وَلَا يُضِر لِعَبْدٍ مَا دَامَ عَمَلَهُ خَالِصَاً للهِ.
3. العِلْم بِأَنَّ خَيْرَ دَوَاءٍ لِلرِّيَاء هُوَ الخَفَاء، أَيْ إِخْفَاء عِبَادَاتهُ وَطَاعَاتهُ وأَعمَالهُ الصَّالِحَة.
4. اللُّجُوء إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسُؤَالهُ النَّجَاة مِن شُبهَات الرِّيَاءْ.

سَابِعَاً: العُجْب:
     هُوَ اسْتِعظَام النِّعْمَة والرُّكُون إِلَيْها وَعَدَم نَسبِهَا إِلى المُنْعِم وَأَن يَظُن أَنَّهُ يَسْتَحِق هَذِهِ النِّعَم وَقَدْ يَصِل بِهِ الْأَمر إِلَى الاعْتِقَاد بِأَنَّهُ سَيَنال مِثلَهَا فِي الآخِرَة أَوْ أَفْضَل مِنْها وَقَد جَاءَ فِي القُرآنِ مِثَالٌ لِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: }وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَباً}.([17]).
وَعِلاج العُجْب يَكُونُ بِمَا يَلِي :
1. الْعِلم بِأَنَّ النِّعَم جَمِيعهَا مِنَ اللهِ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: }وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}.([18]).
2. الْعِلم بِأَنَّ نِعَمَ الدُّنْيَا زَائِلَة.
3. الْعِلم بِأَنَّ النِّعَم أَمَانَة. قَالَ تَعَالَى: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.([19]).
4. الْعِلم أَنَّ الدُّنْيَا دَار العَمَل وَمَا مِنْ نِعمَةٍ إِلَّا اخْتِبَار وَابْتِلاء. قَالَ تَعَالَى: }وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة}.([20]).
5. الْعِلم بِأَنَّ الله لَا يَجِب عَليْهِ شَيء وَأَنَّهُ سَيُدْخِلُنَا جَنَّتَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلَيْسَ بِعَمَلِنَا. قَالَ الرَّسُول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: ((لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ)، قَالُوا: وَلَا أَنتَ يَا رَسُول الله؟! قَالَ: (وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِه)، قَالُوا: فَفِيمَ العَمَلُ يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ: (تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِرَحمَةِ اللهِ وَتَقْتَسِمُونَهَا بِأَعْمَالِكُمْ)).

ثَامِنَاً: الغُرُور:
     هُوَ رُكُون النَّفْس إِلى مَا يُوَافِق الهَوَى، والغُرُور نَوْعَان:
1. الْغُرُور بِاللهِ: قَالَ تَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.([21]).
2. غُرُور الدُّنْيَا: قَالَ تَعَالَى: }وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.([22]).
وَعِلاج الغُرُور يَكُونُ بِمَا يَلِي:
     عِلاجُ الغُرُور يُكُون بِسُلُوكِ الطَّريق المُوصِل إِلَى اللهِ، قَالَ تَعَالَى: }وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.([23]).، وَأَنَّهُ لَا يُغْنِي شَيْءٌ عَن شَيْء، فَمَثَلاً الحَاكِمُ الذِي يَقْضِي لَيْلَهُ وَنَهَارهُ فِي العِبَادَة وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ أَحْوَال الرَّعِيَّة فَهُوَ مَغْرُور مَخْدُوع وَلَا تَنْفَعَهُ عِبَادته.

تَاسِعَاً: الكِبَرْ:
     هُوَ إِحْسَاس الشَّخْص بِأَنَّ مَنْزِلَتهُ الدِّينيَّة أَوْ الدُّنْيَوِيَّة أَعْلَى مِنْ مَنْزِلَة غَيْرِه أَوْ رُتْبَته تَفُوق رُتْبَة غَيْرِه والكِبَر مَذْمُوم فِي القُرْآن. قَالَ تَعَالَى: (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.([24])، والكِبَر ثَلاث أَنْوَاع وَهِيَ:
1. التَكَبُّر عَلَى الله، وَهُوَ أَفْحَش أَنْوَاع الكِبَر.
2. التَكَبُّر عَلَى الرُّسُل: قَالَ تَعَالَى: }قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ}.([25]).
3. التَكَبُّر عَلَى النَّاس: قَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (بِحَسْبِ امْرِئٍ  مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ).
وَعِلاج الكِبَر يَكُونُ بِمَا يَلِي :
     يَكُون بِأَمرٍ واحِد، أَلَا وَهُوَ  أَنْ يَعرِفَ الإِنْسَان رَبَّهُ العَظِيم، فَإِذَا عَرفَ رَبَّهُ عَرفَ نَفْسَهُ. قَالَ تَعَالَى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُورًا* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيراً}.([26])
وَيَكُون حَسَبَ نَوْعهِ، فَمَثَلاً:
1.المُتَكَبِّر بِعَمَلِهِ: عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ قَولهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: (يُؤْتَى بِالعَالِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُه، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بالرَّحَى، فَيَطيف بِهِ أَهْلُ النَّارِ يَقُولُونَ لهُ: مَا لَكَ يا فُلانُ ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُنا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْخَيْرِ وَلا آتِيهِ، وَكُنْتُ أَنْهَى عَنِ الشَرِّ وَآتِيهِ).
2.المُتَكَبِّر بِعِبَادَتِهِ: عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ قَولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ).
3.المُتَكَبِّر بِحَسَبهِ وَنَسَبِهِ: عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُر قَوْلهُ تَعَالَى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، وقَوْلهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (يَا فَاطِمَة اعمَلِي، فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئَاً).
4.المُتَكَبِّر بِجَمَالِهِ: أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ الله هُوَ الّذِي يُصَوِّرُنَا فِي الْأَرْحَام كَيْفَ يَشَاء وَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلى سَلبِ هَذَا الجَمَال بِالحَرْقِ أَو التَّشْويهِ ولَكِن لُطفَهُ شَمَلَنَا، فَسُبْحَانَ مَنْ سَتَرَ القَبِيح بِلُطْفِهِ وَأَظْهَرَ الجَمِيلَ بِفَضْلِهِ.
5.المُتَكَبِّر بِمَالِهِ: وَهَذَا مِنْ أَقْبَحَ أَنْوَاع الكِبَر فَهُوَ يَتَكَبَّر بِشَيْء لَا يَدُوم، وَلَوْ زَالَ عَنْهُ لَعَادَ ذَلِيلَاً كَمَا أَنَّ الْمَال فِتْنَة فِي الدُّنْيَا.
6.المُتَكَبِّر بِقُوَّتِهِ: أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّ هُنَاكَ مِنَ البَهَائِم وَالحَيْوَانَات مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَشَد وَأَنَّه بَشَر مُعَرَّض لِلأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ، وَأَنْ يَذْكُرَ قَوْلهُ تَعَالَى: }وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ}.([27])
7.المُتَكَبِّر بِالْأَتْبَاعِ والجُنُود: عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُر قَوْلهُ تَعَالَى: }هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُود}.([28])، وقَوْلهُ تَعَالَى: }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}.([29])، وَأَنَّ القُوَّة لِلهِ جَمِيعَاً.


اللِّسَانْ
     هَذَا العُضو الصَّغِير حَجمهُ، العَظِيم جُرمهُ، الذي لا تَعَبَ فِي إطْلاقِهِ، وَلا مؤنة فِي تَحرِيكهِ. وَمَع ذَلِكَ فَكُل حَرْف مَسْطُورٌ كَمَا قَال تَعَالَى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.([30])
     وَأَهَمِّيَّة اللِّسَان تَفُوق الْوَصْف؛ فَهُوَ المُعَبِّر عَنْ كُلِّ شَيْء فِي الوُجُود بِالإثْبَاتِ أَوْ بِالنَّفِي حَقَّاً أَمْ بَاطِلَاً، فَمَا مِنْ مَوْجُود أَوْ مَعْدُوم، خَالِق أَوْ مَخْلُوق، مَعْلوم أَوْ مُتَخَيَّل، ظُنُون أَوْ مَوْهُوم إِلَّا وَيَتَنَاوَلَهُ اللِّسَان، بَلْ وَجَمِيع العُلُوم عَلَى الإِطْلَاق لَا يُتَعَرَّفُ عَلَيْهَا إِلَّا بِاللِّسَانِ، وَهُوَ النَّاطِق بِالإِسْلامِ أَوْ بِالكُفرِ، وَهُوَ العَاصِمُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ الَّذِي يُرْدِيه، وَصَدَقَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حَيْثُ يَقُول: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ).

     وَلِلِّسَان أَمْرَاضٌ قَد تُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى التَّهْلُكَة، وَأَمْرَاضُ اللِّسَان هِيَ:
أولاً: الْكَلَامُ فِي مَا لا يَعْنِيكَ:
     قَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ).
وَأَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا مَا خَاضَ فِيمَا لا يَعْنِيهِ فَإنَّهُ يَقَعُ فِي عِدَّةِ مَوَاقِف مِنْهَا:
1. أَنْ تُعَرِّضَ نَفْسَكَ لِلْحَرَجِ إِذَا لَمْ تَحْصُل عَلَى إِجَابَة.
2. أَنْ تُعَرِّضَ المَسْؤُول لِكَذِبٍ فَتُوقِعَهُ فِي الخَطَأ.
3. أَنْ تُعَرِّضَّهُ لِلِإِجْهَادِ وَالإِرْهَاقِ بَحْثَاً عَن حِيلَة يَتَجَنَّب بِهَا الْإِجَابَة الصَّرِيحَة لِأَنَّ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: (إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ(. الْمَقْصُوْدُ بِالْمَعَارِيْضِ: أنْ يَنْجُو الْمَرءُ مِنَ الْكَذِبِ. أَيْ التَّعَرُّض بِالكَلامِ دُونَ التَّصْرِيح حَتَّى لَا يَقَع فِي خَطِيئَة الكَذِب، وَكُلّ ذَلِكَ لا تَحْمَد عَاقِبَتُهُ، فَاشْغَل نَفْسَكَ بِأُمُورَك وَدَعْ الخَلْقَ لِلخَالِق.
والْمَقْصُوْدُ بِمَنْدُوحَة: أَي سَعَة وفُسْحَة.

ثَانِيَاً: فُضُول الكَلَام:
     وَهُوَ الكَلَام الزَّائِد عَنْ الحَاجَة، إِنَّ كُلَّ مَا يَصْدُر عَنِ الإِنْسَان مِنْ كَلَامٍ يُكْتَب فِي صَحَائِفه فَيُسْأَل عَن كُل كَلِمَة سُطِّرَت عَلَيْهِ لِقُوْلِهِ تَعَالَى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.([31]) فَكُلَّمَا زَادَ كَلَام الإِنْسَان كُلَّمَا امْتَلَأَت صَحَائِفهُ فَيظلُ يومَ الحِسَاب يُسْأَل عَنْ كُل كَلِمَة سُطِرَت عَلَيْهِ.

ثَالِثَاً: الخَوْض فِي البَاطِلِ:
     وَذِلَكَ مِثل الكَلَام عَن المَعَاصِي وَأهلهَا  وَمَا يُحرِّك الشَّهُوَات أَوْ الغِيبَة أَوْ تَرْدِيد الإِشَاعَات فَأَكْثَر النَّاس خَطَايَا يَوْم القِيَامَة أَكْثَرهُم خَوْضَاً فِي البَاطِل، وَيكُون رَدّهم يَوْم القِيَامَة: }وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}.([32])
     فَيَرُد المَوْلَى عَزَّ وَجَل عَلَى مَنْ يَقُولُون مِثْلَ هَذَا: }فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ  حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ*إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}.([33])

رَابِعَاً: الْمِرَاءْ:
     هُوَ ابْتِغَاء الخَلَل فِي كَلَامِ الْغَيْر مُلْتَمِسَاً لَهُ الخَطَأ حَتَّى يُمكِن الطَّعن فِي كَلَامِهِ وَإِظْهَارِهِ بِمَظْهَرِ الكَاذِبِ أَوْ المُبَالِغ أَوْ المُخْطِئ. وَالأَوْلَى بِنَا كَمُؤمِنِين  أَنْ نُصَدِّق المُتَكَلِّم وَنُحْسِن الظَنَّ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الكَلَام لا يَتَعَلَّق بِأُمُورِ الدِّين وَالسُّكُوت عَلَيْهِ لا يُعَرِّضُنَا لِلإِثمِ كَانَ السُّكُوت خَيْرٌ مِنَ الكَلام، أَمَّا إِنْ كَانَ مُتَعَلِّقَاً بِأُمُور الدِّين وَجَبَ الرَد بِلَبَاقَةٍ وَأَدَب بِشَرطِ العِلمِ بِالصَّوَابِ، وقَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً).

خَامِسَاً: الجَدَلْ:
     قَالَ تَعَالَى: }وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.([34])، هَذَا إِنْ كَانَ الجِدَال بِالحَقِّ أَمَّا إِنْ كَانَ بِالبَاطِلِ فَهُوَ كِبْر مُهْلِك لِصَاحِبِهِ وَوَاجِبٌ تَركهِ.
سَادِسَاً: الخُصُومَة:
     وَهِيَ الْإِلْحَاح بِالْكَلَام لِاسْتِيفَاءِ مَالٍ أَوْ حَقّ لَدَى الغَيْر بِالحَقِّ أَوْ بِالبَاطِلِ، وَأَشَدُّ أَنْوَاع الخُصُومَة ظُلْمَاً هُوَ الخُصُومَة بِغَيْرِ عِلْم؛ كَأَنْ تُخَاصِم شَخْصَاً مِنْ أَجلِ شَخْصَاً آخَر وَأَنْتَ تَجْهَلُ الحَقَائِق أَوْ تَسْمَع مِن طَرَف دُون الْآخَر، وَقَد أَخْبَرَنَا الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ مِن آيَات المُنَافِق أَنَّهُ إذَا خَاصَمَ فَجَر، وَعِلاج كُل ذَلِكَ يَكُون بِالصَّفحِ وَالعَفُو.

سَابِعَاً: بَذَاءَة اللِّسَان:
 قَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (المُتَسَابَّان شَيْطَانَان يَتَعَاوَيَان وَيَتَهَارَجَان)، وَقَولهُ: (سِبَابُ المُؤْمِن فُسُوق).

ثَامِنَاً: الْلَّعِن:
     وَهُوَ الطَّرد وَالإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة الله وقَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (لَيْس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا الْلَّعَان). وَلا تَصِحُّ اللَّعْنَة إِلَّا بِالتَّعْمِيمِ الَّذِي وَرَدَ بِالقُرْآن مِثل: (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)، أَوْ شَخص جَاءَ بِهِ أَنَّهُ مَلْعُون أَمَّا غَير ذَلِكَ فَالأَوْلَى بِالمُؤْمِن أَنْ يُنَزِّه لِسَانهُ عَنْ ذَلِكَ.

تَاسِعَاً: المُزَاح:
     والمُزَاح نَوْعَان، مُزَاح لا يُغْضِب الرَّب وَلا مَن تمازح لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا). وَمُزَاح مَحْظُور، وَهُوَ مَا يُذْهِب الوَقَار وَيُؤَدِّي إِلَى الغَفْلَة وَكَثْرَة الضَّحِك؛ فَإِنَّ كَثْرَة الضَّحِك تُمِيتُ القَلْب.

عَاشِرَاً: السُّخْرِيَة:
     هِيَ الاسْتِهْزَاء بِشَخْصٍ أَوْ تَحقِيرهُ أَوْ ذِكْر عُيُوبهُ وَنَقَائِصهُ فِي كَلامهِ أَوْ فِعلهِ أَوْ صُورتهِ أَوْ ما يَمُتُّ بِصِلَة خَاصَّة أَمَامَ النَّاس، وَقَدْ يَكُون ذَلِكَ بِالاسْتِهْزَاءِ قَوْلَاً أَوْ تَقْلِيدَاً أَوْ إِشَارَةً، وَقَد نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَل عَنِ السُّخْرِيَة قَائِلاً: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ}.([35]) وقَالَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ).
     والمَفْهُوم مِن الآيَة الكَرِيمَة أنَّ السَّاخِر أَقل شَأنَاً مِمَن يُسْخَر مِنهُ وَإِنْ كَانَ السَّاخِر أَرْفَع شَأناً فَقَد هَبَطَ بِسُخْرِيَتِهِ وَانْخَفَض عَنْهُ مَنْزِلَة عِندَ الله، والسُّخْرِيَة فِي الشَّكلِ والصُّورَة اعْتِرَاض عَلَى خَلقِ الله تَعَالَى.

الحَادِي عَشَرْ: الكَذِبْ:
     وَهُوَ الاخْبَار عَن الشّيْء بِخِلَاف حَقِيقَتِهِ قَال اللهُ تَعَالَى: }إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ  وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.(30)

الثَانِي عَشَرْ: الغِيبَة:
     سُئِلَ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَن الغِيبَة فَقَال: (ذِكركَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَه)، فَقَال السَائِل: أَرَأَيتَ أَنْ كَانَ مِنهُ مَا أَقُول؟! فَأَجَاب الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدِ اغْتَبتَهُ وَإِنْ لَم يَكُن فِيهِ مَا تَقُولَ فَقَد بَهَتَّهُ). وَالبُهْتَان أَعْظَم الكَذِب، وَقَد تَكُون الغِيبَة فِي القَلب، وَهِيَ الظَّن السَّيء بِالغَيْر، قَالَ تَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.(31)

الثَالِثَ عَشَرْ: الخلف فِي الوَعِد:
     وَهُوَ مِنَ النِّفَاق قَالَ تَعَالَى: }يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.(32)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِق وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَام وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِم: إِذَا حَدَّثَ كّذَب، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَف، وَإذَا ائتُمِنَ خَان).

الرَابِع عَشَرْ: إِفْشَاء الأَسْرَار:
     فَالسِّرُّ أَمَانَة، قَالَ تَعَالَى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.(33)

الخَامِس عَشَرْ: النَّمِيمَة:
     وَهِيَ نَقِل كَلام إِنْسَان عَنْ إِنْسَان آخَر إِلى الَّذِي قِيلَ عَنْهُ الكَلَام، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (لَا يَدْخُل الجَنَّة نَمَّامْ).

الْسَادِس عَشَرْ: الْسُؤَال:
     لَقَدْ سَكَتَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ أَشْيَاء رَحْمَةً بِنَا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (مِنْ أَعْظَمَ النَّاس جُرْمَاً عَلَى النَّاسِ مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْء فَحُرِّمَ بِمَسْأَلَتِهِ)، وقَالَ تَعَالَى: لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.(34)

الْسَابِع عَشَرْ: فَحْوَى الكَلَامْ:
     هُوَ مَا تَضمَّنَهُ الكَلَام مِنْ مَعْنَى قَد لا يَبْدُوا مِنْ ظَاهِرَهُ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ لَهُ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئتَ ؟؟ فَغَضِبَ النَّبِي غَضَبَاً شَدِيدَاً، وَقَال: (أَجَعَلْتَنِي  عَدْلَاً للهِ، قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ مَا شِئْتَ)، فَالوَاو هُنَا وَاو شِرْك، أَوْ كَقَوْلِنَا الفَضْلُ للهِ ثُمَّ لَك أَوْ مُعْتَمِدٌ عَلَى اللهِ وَعَلَيْكَ أَوْ الحلف بِغَيْرِ اللهِ، مِثل الطَّلاق أَوْ رَحْمَة فُلان وَهَذَا كُلُّهُ غَيْر جَائِز.

أستغفر الله العظيم وأتوب إليه فيما انحرف بهِ القلم, أو زلّت بهِ القدم, ومما علمتُ وما لم أعلم. وإن أصبتُ فهذا بفضل الله وهدايته وحسن توفيقه وعنايته. اللهمَّ اجعل عملي صالحاً ولوجهكَ خالصاً. آمين

" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ"
وصلِّ اللهمَّ وسلمْ وبارك وترحَّم على عبدك ورسولك محمد النبي الأعظم وعلى اله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
إعداد: تسنيم ناصر السخني


([1]) سورة الشعراء/88-89.
([2]) صحيح البخاري.
([3]) سورة ق/18.
([4]) صحيح الترغيب والترهيب.
([5]) سورة فاطر/6.
([6]) أخرجه أحمد.
([7]) أخرجه أحمد.
([8]) أخرجه أبو داود وأحمد.
([9]) الترمذي.
([10]) أخرجه أبو داود وأحمد.
([11]) البخاري ومسلم.
([12]) سورة فُصِّلت/34.
([13]) سورة فاطِر/2.
([14]) سورة النساء/37.
([15]) سورة الذاريات/22.
([16]) سورة الماعون/7،4.
([17]) سورة الكهف/36.
([18]) سورة النحل/53.
([19]) سورة التكاثر/8.
([20]) سورة الأنبياء/35.
([21]) سورة الانفطار/6.
([22]) سورة آل عمران/185.
([23]) سورة التغابن/11.
([24]) سورة الزمر/72.                                                                                        
([25]) سورة يس/15.
([26]) سورة الإنسان/1-2.
([27]) سورة يس/ 68
([28]) سورة البروج / 17-18.
([29]) سورة الفيل.
([30]) سورة ق/18.
([31]) سورة ق/ 18
([32]) سورة المدثر/ 45
([33]) سورة النساء /140
([34]) سورة النحل /125
([35]) سورة الحجرات /11
(30) سورة النَّحل /105
(31) سورة الحجرات/12

هناك 6 تعليقات:

  1. ما شاء الله عليك عمو تسنيم
    بنت ابوك
    فرخ البط عوام
    وهذا الشبل من هذا الأسد

    ردحذف
  2. رائعة سيمو .. منها للأعلى ان شاء الله ..
    بداية ممتازة لموضوع عظيم يخص ويهم الكثير ممن يبحث عن طريق الله السليم
    جزاك الله خيرا

    ردحذف
  3. الله يبارك فيكم يا دكتور ربي يزيدك من علمه الواسع

    ردحذف
  4. الله يبارك فيكم يا دكتور ربي يزيدك من علمه الواسع

    ردحذف
  5. م .سمر الفرجات17‏/07‏/2017، 11:29:00 م

    ما شالله بحث كامل متكامل بوركت اليد التي ترعاك وزادك من علمه

    ردحذف
    الردود
    1. وبارك الله فيك وعليك
      وأحسن الله إليك

      زادنا الله وإياكم من علمه.

      حذف